تكثر في لبنان مظاهر العيش المشترك في الكثير من المناسبات، ويبتهج العديد من اللبنانيين بها معتبرين أنها الوجه الحقيقي للبنان.
في الحقيقة إن هذه الظاهرة هي الشواذ في لبنان وليست الأساس، ولا يمكن أن تكون كذلك لأنها في أغلب الأحيان لا تأتي من خلفيةٍ وطنيةٍ، بل من خلفيات إما شخصية وإما من باب التملّق والخوف وإما من باب ولاء سياسي أعمى.
إنّ القاعدة في لبنان هي عكس ما يعرف بالعيش المشترك الذي لا يمكن تجسيده بشعارات أنّ لبنان «لا يحلق إلا بجناحيه المسلم والمسيحي» وأنّ «المسجد يعانق الكنيسة»، بل إنّ تجسيده يجب أن يحصل في عملية تكوين سلطةٍ حقيقيةٍ واتخاذ القرار من خلالها، لأنّ العيش المشترك لا يمكن أن يتحقق من دون استقرارٍ أمنيٍ وسياسيٍ واقتصادي، ولا يتحقق من دون ولاء كامل من قبل كل المكونات اللبنانية للبنان فقط.
إن العيش المشترك ليس علاقاتٍ إجتماعيةٍ بين المواطنين وبعض المجموعات والفئات وليس تبادلاً للزيارات والواجبات مثل التعازي في الأحزان والتهاني في الأفراح، بل هو واجب احترام كل مكونٍ لخصوصيات المكون الآخر ضمن حدود الدولة، والتشارك في تحديد مصلحة الكيان ومواطنيه، والحفاظ على هويةٍ لبنانيةٍ تفرض على الجميع بالتساوي في الحقوق والوجبات.
إنّ ممارسة العيش المشترك بالشكل الذي تحصل فيه تدفع بعض الأطراف في الكيان اللبناني إلى الإمعان في سياسات التفرد والسيطرة، خصوصاً وأنّ أطرافاً أخرى تمتنع في المقابل عن مصارحة الطرف الآخر ودفعه للتخلي عن مشاريعه الخاصة والمستوردة، وتعطيه في المقابل المزيد من نزعة التحكم وضرب عرض الحائط بكل ما من شأنه أن يعيد للدولة قرارها وسلطتها.
وفي هذا السياق تتحمل بعض الأحزاب والتيارات اللبنانية مسؤوليةً في تحويل العيش المشترك إلى شعارٍ فارغ من مضمونه لأنّها ربطت هذه المسألة بمصالحها الشخصية والخاصة وجندت أتباعها في هذا السبيل من دون أن تدرك خطورة الذوبان في الآخر وهو ما يجعل من العيش المشترك عملية إلغاء في السياسة والوجود والمعتقد.