نقولا طعمه
لا تزال فكرة الغرب المسيحي ثقافة عامة تعتقد بها غالبية عظمى من الناس، مسيحيين ومسلمين. قلة فقط تعرف الحقيقة. الغرب ليس مسيحياً. لكن هذا الغرب لم يكلف خاطره بتوضيح صورته لشعوب يريدها جاهلة بحقيقته بهدف إحكام سيطرته وضمان مصالحه.
مسيحيو المشرق بين خطر داعش ومخطط تهجيرهم!! (أ ف ب)
صورة الغرب “المسيحي” دفع المسلمون القليل من ثمنها في انخراط فئات منهم في صراعات مع أشكال من المسيحية وفي ظروف تاريخية محددة، لكن الذي دفع الثمن الأكبر لها في حياته ووجوده ومصيره هم المسيحيون في عدة جوانب منها جهل حقيقة الغرب، والرهان عليه في مواجهة مواطنيهم الآخرين، وقدرة الغرب على التماهي مع الوسط المسيحي بإيهامه بمسيحيته لاستمالته، والبقاء رهينة له.
حقيقة أن الغرب ليس مسيحياً وأن المسيحية الشرقية استهدفت من قبل الغرب قبل أن تستهدف من أي طرف آخر، قلة يعرفونها. يجمع راعي أبرشية جبل لبنان للسريان الأرثوذكس المطران جورج صليبا، ورئيس الاتحاد الكاثوليكي للإعلام الأب طوني خضرة أن “الغرب ليس مسيحيا”، بينما يؤثر الأب الماروني أنطوان ضو القول أن “الغرب مسيحي وثني“.
رغم ذلك، لا نزال نسمع في المنتديات العامة والخطابات والكتابات من يقول بـ”الغرب المسيحي” أو من يصف المسيحيين بـ”الصليبيين”، بينما أول المجازر التي تعرض لها مسيحيو الشرق كانت على أيدي الصليبيين أنفسهم في حملاتهم على الشرق.
آنذاك دفع المسيحيون في اليونان وأنطاكية واسطنبول مئات آلاف القتلى من أبنائهم، ودمر تاريخهم وتراثهم، وهذا ما يورده كتاب “الحروب الصليبية كما رآها العرب” لأمين معلوف.
يتذكر صليبا وخضرة وضو الحسرة التي شعر بها بابا روما عندما تشكل الاتحاد الأوروبي في السنوات القليلة الماضية، حيث تمنى البابا يوحنا بولس الثاني أن يتضمن دستور الاتحاد إشارة إلى أن شعوب أوروبا كانت مسيحية، لكن الأوروبيين رفضوا مجرد الإشارة إلى “مسيحية” اعتنقتها مجتمعاتهم قبل الثورة الصناعية. هذه الحقيقة يشعر كثيرون ممن راهنوا على مسيحية الغرب، بالإحباط والخيبة جراءها.
أما الذين سبق ودفعوا الأثمان الباهظة لهذا الالتباس، ولم يعرهم الغرب الاهتمام لحمايتهم في اللحظات الحرجة من حياتهم، أولئك بدأوا يقتنعون بأن الغرب يريد مجرد استخدامهم لغاياته ومصالحه، خصوصاً في مواجهة الآخر المسلم الفلسطيني أو السوري أو المصري.
هؤلاء باتوا عرضة للتهجير المنظم والمتعمد على ما يظهر في سوريا والعراق ولبنان. فجاء طلب الغرب منهم تكرار سيناريو حزم الجقائب والرحيل مجدداً.
دين براون، موفد وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر قالها للرئيس اللبناني الراحل سليمان فرنجية سنة 1976، والرئيس الفرنسي جاك شيراك قالها للبطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير لسنوات خلت، والدعوات لاستضافة المسيحيين في الغرب مستمرة.
هل يتعلم البعض من دروس التاريخ؟
الغرب استدرج الأقليات لتكريس نفوذه
رغم ذلك لا تزال مواقع هامة، رسمية مسيحية، أو سياسية، أو ثقافية، أو تربوية، على ارتباط وثيق بالغرب، ولم تتعلم من دروس التاريخ أن الغرب استخدمها لمصالحه. لكن من دفع الثمن الباهظ، لم يعد قادراً على تدارك الأمر ولم يعد ينفع معه وعيه المتجدد بحقيقة الغرب.
يشن صليبا هجوماً على الغرب، يقول إنه “ليس مسيحياً والذين يقولون إن أميركا وأوروبا مسيحيتان، هم مخطئون، بينما يدار الغرب من سياسة عليا إسمها الصهيونية، التي هي مصيبة الانسانية عامة والمسيحيين والمسلمين في الشرق خاصة” مؤكداً أنه يرى “دوراً كبيراً للصهيونية في تهجير المسيحيين اليوم”.
يورد صليبا جملة من المعطيات تدل على موقف الغرب من الأقليات المسيحية ومنها أن “الغرب أعطى أقاليم ماردين، ودياربكر، وأورفة، وعيتات، وأضنة للأتراك من ضمن معاهدة سايكس- بيكو سنة 1916 وفي عام ١٩٣٧ أخذت الدول الغربية الاسكندرون وأنطاكية من المسيحيين وأعطوهما للأتراك إرضاء لزعيمهم مصطفى كمال أتاتورك، ثم لكي يرضوا المسلمين، أعطوهم كوسوفو التي أخذوها من أهالي صربيا من الروم الأرثوذكس” مضيفاً أن “الكنائس الشرقية بنظرهم كنائس مجرمة”.
بدوره يرى الأب خضرة أن “الغرب استعمل التعددية الدينية والحضارية لكي يتمكن من صنع حروب، واستغل غنى العالم العربي والمشرقي لصالحه” مشيراً إلى أن “عشرات الآلاف من مسيحيي قرقوش يهاجرون اليوم وهم حفاة”.
يذكر بأن “أميركا وعدة آلاف من الجيش الأميركي قتلوا مليون ونصف مليون عراقي بحجة تخليص العراق من ديكتاتور هو صدام حسين” متسائلاً “ألا يستحق مئات آلاف من الأقليات يجري تهجيرهم من الشرق أن تأتي الأمم المتحدة والولايات المتحدة بقوات سلام تحميهم؟”.
وفق رؤية الأب أنطوان ضو فإن “الغرب كان يحاول تكريس تواجده الاقتصادي والسياسي في الشرق، فلعب مع هذه الأقليات لعبة استدراج لهم. البروتستانت كانوا يستدرجون المسيحيين إلى مدارسهم ويحولونهم إلى البروتستانتية، وحركة التحول لم تكن من صلب قناعة المسيحيين الشرقيين” مضيفاً “أن الأميركيين عندما دخلوا العراق، حاولوا تحويل المسيحيين إلى بروتستانت. كانوا يحاولون معهم ما يمكن تسميته الاقتناص”.
ويخلص ضو إلى أن الغرب استغل الوجود المسيحي في شمال العراق لتحقيق مصالحه، محاول استمالة المسيحيين نحوه كما فعل في كل مناطق الشرق لدى بلوغ حركته الاقتصادية مرحلة التوسع، مشيراً إلى “أن الإرساليات والقنصليات والوجود السياسي والدبلوماسي والتجاري الغربي في شمال العراق والمناطق المجاورة، كلها عوامل جذبت المسيحي نحو الغرب”.
المصدر: الميادين نت