حاضرت الرئيسة العامة لرهبانية الراهبات اللبنانيات المارونيات الام صونيا الغصين عن “القديسة رفقا: أم ومعلمة” في دير مار يوسف جربتا ـ حيث ضريح القديسة رفقا، في إطار احتفالات اليوبيل المئوي لوفاتها في حضور المدبرات العامات في الرهبانية، رئيسة الدير الأم مرتا باسيل، وجمهور الراهبات. كما حضر السفير السابق طنوس عون وعدد من المؤمنين.
وقالت: “الحياة الرهبانية هي “هبة من الله إلى كنيسته عبر الروح”، إنها مبادرة صادرة من الآب السماوي، يطلب فيها من الذين اصطفاهم “أن يقدموا ذواتهم كاملة مطلقة”، تحقيقا لنذورات أرادوها سبيلا مكونا لفعل التكريس. فعلى مثال الرب يسوع يردد الراهب والراهبة قائلا: “أكرس ذاتي من أجلهم، ليكونوا هم أيضا مكرسين بالحق”. فالراهب أو الراهبة يتمم فعل تكريسه لأجل أبناء الكنيسة وجميع البشر، كي ينموا في المحبة والإيمان ويحققوا في ذواتهم، الصورة التي خلقهم عليها الله. وهذه الصورة ليست رؤية نظرية ولا مشروعا فكريا، إنها شخص يسوع المسيح الحي، كما يقول القديس بولس الرسول: “هو صورة الله” ، لأن الله “سبق أن قضى بأن يكونوا على مثال صورة ابنه”.
وأضافت: “الراهب هو أب، والراهبة هي أم، وكل منهما يشهد للحب في الرب يسوع، ويصبح معلما ومربيا من خلال شخصة، وكلامه، والتزامه، وتصرفاته وأعماله”.
وتابعت: “هذا الإطار الرهباني الذي يحدده لنا المجمع البطريركي الماروني، ليس إطارا نظريا وفكريا، بل هو وصف دقيق وأمين للحياة الرهبانية التي عاشها الرهبان والراهبات تلاميذ وتلميذات مار مارون الناسك، والتي جسدتها القديسة رفقا بدورها، فتقدست وقدست كل من عرفت وعرفها. ويمكننا القول، ربما ساعدها في تنمية روح الخدمة والأمومة هذه، أنها فقدت والدتها وهي في السابعة من عمرها، واتخذت مريم العذراء أما لها ومثال قداسة وأمومة. ويعكس هذا الاهتمام بالراهبات، وخاصة المبتدئات والحديثات منهن، لدى القديسة رفقا، صورة الأمومة في عطفها وحنانها، في لطفها وصبرها. فالأم تحنو على طفلها، أي تنحني نحوه في سريره لتعتني به وتسهر على راحته، وترفعه إليها وتمنحه عطفها. هكذا نجد القديسة رفقا وقد انحنت بذاتها على أخواتها الراهبات لتمنحهن عطف الروح القدس من خلال الكتاب المقدس وسير القديسين. وكما الأم تعطي لأبنائها أفضل ما عندها، كذلك القديسة رفقا أعطت لراهباتها الحديثات في الاختبار الرهباني افضل ما عندها، أي التعزية بالكلام الروحي العذب من قبل من اختبرت عذوبة الرب ولذة العيش بقربه وله وحده، والصلوات، وكلام الإنجيل، ولم تكن قادرة على هذا العطاء إلا لأنها “كانت ماهرة في معرفة وعلم الأمور الروحية”.
وعن رفقا المربية والمعلمة قالت الام الغصين: “القديسة رفقا هي أيضا مربية ومعلمة لأنها أم، اي أنها تلد أولادها ولادة روحية إلى حياة الله، وهي بذلك أصبحت على مثال القديسين الذين يربون الناس ويعلمونهم من خلال سيرة حياتهم، حتى وإن لم يكونوا مدرسين كما هي حال القديسة تريزيا الطفل يسوع التي أعلنها الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني: “معلمة الكنيسة”. تصلح هذه الشهادة التربوية في القديسة رفقا، لأن تكون برنامج تعليم لمعلماتنا ومعلمينا في مدارسنا الكاثوليكية ومؤسساتنا، ومرجعية لأولياء الأمر في المدارس، وواضعي المناهج التربوية والتعليمية، والذين يبحثون عن مواصفات المعلم والمربي وأساليب التعليم والتربية. وكما أنها تصلح لنا نحن المكرسين والمكرسات كي نكون شهادة حية صادقة تشع محبة وعطفا، حنانا ورفقا، لطفا ووداعة لعالمنا الذي يفتقد إلى الإنسانية وجذرية الحياة المسيحية الحقة، وأن نغذي جماعاتنا الرهبانية الديرية والرسولية من مثال القديسة رفقا الوديعة، المحبة، اللطيفة، الغيورة، الصامتة، الصبورة، المتواضعة، المصلية، الفرحة…”
واضافت: “لم تكن رفقا أما لتلد الأولاد الى الحياة الزمنية، ولكي تدرك كيف تمارس الأم أمومتها في يوميات حياتها وعلاقتها مع أولادها، بل كانت أما حقيقية ولدت الأبناء إلى حياة الرب في الكنيسة وفي الرهبانية. فكان لديها الحب والحنان الكافيين لكي تنمي العلاقة الروحية عند تلميذاتها، ليس وفق برامج ومناهج علمية تلقنتها بدورها في دور التعليم والجامعات، بل وفق منهج العلم الإلهي الذي دخل قلبها وعقلها وسكن كل كيانها، فاصبحت هي بذاتها “الأم والمعلمة” وهذا جل ما تبتغيه الأمومة والتربية في المجتمع والحياة الرهبانية والكنيسة. كانت رفقا تصلي، فعلمت الصلاة، ودفعت الجميع لكي يصلوا. كانت رفقا محبة، فعلمت المحبة، ودفعت الجميع لكي يحبوا. كانت رفقا تقية، فعلمت التقوى، ودفعت الجميع لكي يكونوا أتقياء. كانت رفقا محتشمة، فعلمت الحشمة، ودفعت الجميع لكي يكونوا محتشمين.رفقا كانت فقيرة، فعلمت الفقر، ودفعت أخواتها الراهبات أن يكن فقيرات.رفقا كانت مطيعة، فعلمت الطاعة، ودفعت أخواتها الراهبات أن يكن طائعات.كانت رفقا هادئة، فعلمت الهدوء، ودفعت الجميع لكي يكونوا ودعاء. كانت رفقا وديعة، فعلمت الوداعة، ودفعت الجميع لكي يكونوا ودعاء. كانت رفقا صابرة، فعلمت الصبر، ودفعت الجميع ليكونوا صابرين.كانت رفقا صامتة، فعلمت الصمت، ودفعت الجميع ليكونوا صامتين .كانت رفقا فرحة، فعلمت الفرح، ودفعت الجميع ليكونوا فرحين. كانت رفقا متواضعة، فعلمت التواضع، ودفعت الجميع ليكونوا متواضعين…
وختمت: “في المثال الصالح تكمن كل الأمومة والتعليم. فهل نستقي من مثال القديسة رفقا صورة الأم الحنونة والمربية الواعية والمدركة لمسؤوليتها في المجتمع والرهبانية والكنيسة!”.
وطنية