أصبح مجتمعنا اللبناني يدور في دوامة من الغضب والإنفعال، وبات من النادر أن يُعفى منها أحد. رجالٌ ونساءٌ وأطفال، تكفي كلمة واحدة لإشعال نار غضبهم، فتُعنَّف الزوجات وتُقتل أمام أعين أطفالهن لأسباب قزمة بالنسبة لردّات الفعل والنتيجة المترتّبة عليها. أما الجرائم التي تُرتكب على الطرقات بسبب أفضلية مرور، فدافعُها بدون منازع ذاك الإنفعال الشديد، السريع، المميت.نعيش في مجتمعٍ يحتاج فيه الجميعُ للحَجر، للوضع في العناية الفائقة، لعلاجٍ طارئ وفوري يُعلّم كيفية التعاطي مع ما يثير الغضب، لإتقانِ ضبطِ النفس. فالمثيراتُ ومسبّباتُ الإنفعال السلبي لن تغيب، مهما تحسّنت ظروفُ الحياة، إلّا أنّ الإنسان على هذه الحال يتراجع عصوراً إلى الوراء، ينحدر فتتحكّم به غرائزُه اللاإنسانية، كأنّ الأجداد والآباء لم يعرفوا حضارةً وثقافةً إنسانية، فحذار.
إنّ القيامَ برداتِ فعلٍ غاضبة وعنيفة لا يحتاج فعلياً لسببٍ وجيه وعظيم، فقد يكون بسبب غيرة، انتماء سياسي، وجهة نظر بموضوع عام أو مرور أثناء قيادة السيارة.
تربط علاقةٌ وثيقة المشاعرَ السلبية التي ترافق الغضب وعدم الرضا عن الذات والإنزعاج، إذ قد يسبق أحدهما الآخر. ومن علامات الغضب: إحمرار الوجه، الرغبة في البكاء، الصراخ، الإرتجاف، تزايد ضربات القلب وغيرها.
أمّا أسباب الغضب الشديد فقد تكون منطقيّةً في بعض الأحيان، كالتعرّض لحادث مريع، أو للقمع من قبل أحد الأشخاص، وقد تكون الأسباب غيرَ منطقية. وما يهمّنا بكلتا الحالتين هو قدرة الفرد على التحكّم بردات فعله السلبية التي قد تصل إلى القتل في أحيان كثيرة، مهما كانت المسبّباتُ والظروفُ المحيطة به.
أسبابٌ تزيد الغضب
تتسارع رداتُ الفعل العنيفة لدى المصابين بأمراض جسدية، والمتألّمين، كما يساهم عدمُ إشباع الحاجات الأساسية للإنسان كالجوع والبرد أو الحرّ الشديد بزيادة النزعة إلى العنف، فنلاحظ تزايدَ عدد الجرائم بين المشرّدين وفي فترات الحروب والخطر. كما يلعب اضطرابُ الهورمونات دوراً في سرعة الغضب، كارتفاع مستوى التستوستيرون، ومرحلة منتصف العمر لدى الجنسين.
أما العنف لدى المدمنين فحدِّث ولا حرج، إذ يصبحون شديدي العصبية والحساسية عندما يحتاجون للمادة بشدة، وأحياناً عندما يكونون تحت تأثيرها، وقد يلجأ البعض إلى إدمان المواد المخدِّرة والسلوكيات هروباً من التأثّر بما يثير الغضبَ والإنفعال. ومن مؤشرات الإصابة بالأمراض والإضطرابات النفسيّة عدم القدرة على ضبط النفس، والتصرّف بعنف وعدوانية، وخير مثال على ذلك الأشخاص المصابون بالإكتئاب.
تأثيرُ الغضب سلباً على الجسد والنفس
جسدياً: تتسبّب سرعة الغضب بمشكلات وأمراض جسدية مميتة أحياناً. ففي حال الغضب يرتفع ضغط الدم ما قد يؤدّي إلى أزماتٍ قلبية، وانفجارٍ في شرايين المخ، الجلطات، كما يرتفع لدى العديد من الأشخاص مستوى السكري. ويتسبّب الغضبُ بالحساسية كالإكزيما وما يُعرَف بزنار النار…
نفسياً: يتعطّل التفكيرُ السليم، يفقد المرءُ بذلك القدرة على التركيز، ويبتعد عن التوازن فيتّخذ قراراتٍ غيرَ صائبة، ويقوم بتصرفات متسرّعة يشعر بعدها بالذنب، الخجل، الغيرة، العدوانية، عذاب الضمير وصولاً إلى القلق والإكتئاب وعدم الرغبة بالعيش.
أضرارُ فقدان السيطرة على الإنفعال وعدم القدرة على ضبط النفس ليست آنية بل تمتدّ الخسائرُ الناتجة عنه أحياناً لسنواتٍ وعقود. فمَن قام بأيِّ ردّة فعل مؤذية لا بدّ أن يتسبّب بغضب مضاد من قبل مَن تلقّى الغضب، هذا ناهيك عن القلق والحقد المتبادَلين، ودخول الطرفين في حلقة من التفكير والتصرّفات السلبية المتبادَلة والمتكرّرة. كما قد يتسبّب الغضبُ بافتراق الأشخاص المتحابّين لمدى الحياة، ما يُشعر مَن ارتكبه بالذنب والفقد والعجز عن القدرة على العيش بدون الآخر.
تُعتبر سرعةُ الإنفعال من الأمور المدمِّرة للفرد والمحيطين به، فقد تترتّب على ردات الفعل المحكومة بالغضب نتائج كارثية على المتسبّب والمجيب. أما الطرف الثالث المتأثر بالغضب وما يترتّب عليه من نتائج فهو العائلة والأصدقاء الذين يعيشون في دوامة القلق والخوف من أن يتعرّض الشخص «سريع الغضب» لأيّ دافع يُفقده أعصابَه.
كما أنّ هناك العديد من الزوجات والأمهات والأبناء ممَّن أُصيبوا بصدمةٍ نفسية جراء وجودهم أثناء قيام القريب، شديد الإنفعال بردّة فعل مخيفة، ما يجعلهم كذلك بحالة خوف وقلق دائمَين خوفاً من تكرار المشهد المرعب الذي شهدوا عليه.
تضرب سيطرةُ الإنفعال على الإنسان كل حسناته، فتراه يبتعد من المنطق، ويخلق نفوراً يصعب تخطّيه، كما يتسبّب بخلافاتٍ وعداوات شخصيّة، عائلية واجتماعية لنفسه وللمحيطين.
يعاني مَن يعايش شخصاً غيرَ قادر على ضبط نفسه وردات فعله من ضغط نفسي دائم، شعور بالذنب وبأنه قد يكون المسبّب للغضب، ويعاني أيضاً من إضطراباتٍ في النوم والشهية، ونوباتِ الخوفِ والذعر. هذا الشعور الدائم بالخوف والقلق يضعه في موقف الضعيف، فيتسلّط عليه الآخر، ويستغلّه في حالات كثيرة، فيقوم بأمور لا يرغب بها تجنّباً لردات فعله وغضبه.
كما أنّ مَن يعايش شخصاً سريعَ الغضب قد يقلّده ويتماهى به، وهذا ما يحدث غالباً مع الأبناء الذين لا يسيطرون على ردّات فعلهم مع رفاقهم ومَن يحتكّون بهم في حياتهم اليومية.
أما الأزواج والزملاء والأصدقاء فقد يبادرون إلى التصرّف بالمثل مع الشخص الشديد الإنفعال بهدف حماية أنفسهم من احتمال ردود فعله غير المتوازنة، أو يعيشون ضحايا عنف الشريك… للأبد أو ينفصلون عنه.
يرتبط الإنفعال الشديد والغضب بالعصبية، وغالباً ما يشكو مَن يفقد السيطرة على ردّات فعله من التسلّط، الإدّعاء والتعالي، بالإضافة إلى عدم الإهتمام بمشاعر الآخر في لحظة ممارسة التصرّف المتعلّق بالإنفعال.
علاجُ الغضب وعدمُ السيطرة على الإنفعالات
عندما تصبح الحالة محرِجة وتؤثّر في حياتك اليومية، فلا بد من مراجعة الأطباء والمعالجين النفسيّين كإختصاصيّين بهدف الإرشاد والعلاج. وقد يحتاج مَن يفقد السيطرة على غضبه وردّات فعله إلى علاجٍ دوائي في بعض الأحيان، وغالباً ما يتخلّص من ذلك عبر جلسات العلاج النفسي السلوكي، البرمجة العصبية اللغوية، العلاج بالإيحاء، بالفن وطرق علاجية أخرى… وإذا كنتَ من الأشخاص الذين لا يمتلكون القدرة على ضبط النفس، إليك بعض النصائح والإرشادات للتعامل مع ذلك:
• إبتعد عن مَن أو ما يثير غضبك
• إعمل على تشتيت أفكارك عن ما يسبّب الغضب بدل التركيز عليه، والتلهّي بأيِّ أمرٍ آخر.
• أترك المكان والأشخاص الذين يثيرون غضبك.
• تنفّس بعمق بشكل متكرّر.
• فرّغ الغضب عبر الرياضة، اللعب، الموسيقى، ممارسة أيّ هواية كالرسم، الرقص.
• تعلّم إتقانَ التفكير بموضوعية بسبب الغضب، وتأكّد من أنّ ردّة فعلك توازي حجمَ السبب؟
• حاول وضعَ نفسك مكان الآخر، وفهم أسباب ودوافع وظروف ما قام به فأثار غضبك.
• حاول استبدالَ التصرّفات العدوانية بأخرى عقلانية.
• إعتمد التفكيرَ والتحليلَ الإيجابي للأمور.
ساسيليا دومط
الجمهورية