على وقع الشلل الحكومي والبرلماني الذي تعيشه البلاد، اكتسبت الدعوات الى تحريك الملف الرئاسي زخما متجددا، من باب الفاتيكان هذه المرة، وذلك في ضوء معطيات عن “تحذير” وجّهه البابا فرنسيس الى القيادات المسيحية، لجهة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية. تحذير ما لبث ان استتبع بكلام عن “تقرير اسود” صدر عن السلطات الفاتيكانية حيال وضع المسيحيين في لبنان.
ومعلوم ان الدخول الفاتيكاني على خط الازمة اللبنانية ليس بجديد، ولا سيما ان الكرسي الرسولي كان ارسل اكثر من موفد الى بيروت، للوقوف على حقيقة النزاع القائم، ليس آخرهم وزير خارجية الفاتيكان السابق الكاردينال دومينيك مومبرتي.
من هنا فان التحرك الاخير للكرسي الرسولي، ينطلق من تقاطع سلسلة معطيات حفلت بها الساحة اللبنانية والاقليمية في الآونة الاخيرة. ووفقا لمطلعين على حركة السفير البابوي المونسنيور غابريالي كاتشا، فهو كان أكد لسائليه أن “التحذير” الذي بعث به البابا الى الزعماء الموارنة لجهة ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، يكرس موقف الكرسي الرسولي الذي “عبّر ويعبر منذ زمن عن قلقه حيال الوضع في لبنان، علما ان الزيارة الاخيرة للكاردينال مومبرتي الى بيروت اندرجت في هذه الخانة”. ووقت يشير الى ان “الكرسي الرسولي لا يقوم بوساطة محددة بهدف ايجاد حل”، يوضح ان الموقف الفاتيكاني المستجد هدفه “وضع الجميع امام مسؤولياتهم وتكرار انه يجب عدم التلاعب بالمؤسسات”. ويضيف امام سائليه: ” اطلقنا نداء الى (الاطراف) لتحمل مسؤولياتهم ونتطلع الى انتخاب رئيس للجمهورية، لكن يبدو ان احدا ليس مستعجلا. فالبابا يأمل، ويشجع، ويدعم (هذا التوجه)”… ووفقا لكاتشا فان الكرسي الرسولي يتحدث الى الجميع “وكل طرف يتخذ قراره وفقا لمسؤولياته. من هنا، اطلقنا نداء لتحمل المسؤولية وللقول ان الوضع ليس جيدا”. وعن آلية ترجمة هذا النداء، بعد زيارة الكاردينال مومبرتي، يوضح كاتشا: “النداء بعد مومبرتي اتخذ اوجها عدة. البابا لا “يستدعي” احدا. نناشد كل اللبنانيين وليس فقط القادة المسيحيين معالجة مشكلة المؤسسات، وخصوصا اننا نعتبر ان بلدا بلا مؤسسات ليس بلدا مستقرا. وبلد غير مستقر هو على طريق الدمار، وهذا ينطبق على كل المجموعات (اللبنانية)”.
وعن الاتصالات الدولية والاوروبية التي يجريها الفاتيكان في هذا الخصوص، يقول كاتشا لسائليه إن “ثمة اتصالات دائمة مع الاوروبيين وغير الاوروبيين، انطلاقا من اقتناع مفاده انه اذا لا رئيس جمهورية للبلد، فان البلد ليس في سلام”.
في اي حال، يبدو ان الموقف الفاتيكاني يتقاطع ومجموعة معلومات باتت في متناول قوى مسيحية “آذارية”، وذلك على خلفية مروحة من الاتصالات المحلية والاقليمية الجارية. ويتبين وفقا لهذه القوى:
– ان المواجهة الاقليمية ولا سيما بين الرياض وطهران مستمرة، علما ان ايا من الطرفين ليس في وارد الشروع في تسوية. ويبدو، بحسب تقويم اولي للمسار التي تتخذه الاحداث، ان الايرانيين ليسوا في وارد تقديم تنازلات في الملفات الاقليمية، خلافا للاعتقاد المتفائل الذي طبع المرحلة الاولى لإقرار الاتفاق النووي مع الغرب.
– التشدد نفسه ينطبق على السلوك الغربي حيال الاوضاع المستجدة في سوريا، ولا سيما بعد الدخول الروسي على خط الازمة. واذا كان بعض الدول الاوروبية يلمح الى امكان حصول “تسويات” محدودة، عبر ترجيحه مرحلة انتقالية في سوريا بمشاركة الرئيس السوري بشار الاسد، فان هذه المواقف لا تعني في المقابل، ان الغرب في وارد الشروع في “تسوية بأي ثمن”. وبحسب العاملين على الملف السوري، فان التدخل الروسي “دوّل” في مكان ما الازمة. فتغلّب نتيجة هذا التدخل، “العامل” الدولي على الاقليمي، وتحولت المواجهة من منافسة اقليمية “يتبارى” على حلبتها الاطراف الفاعلون في المنطقة، الى مواجهة اميركية – روسية.
– يبدو منطقيا، وانطلاقا من المناخ السائد، ان يتأثر لبنان “بالعواصف” الاقليمية والدولية، الامر الذي يترجم استمرارا في الشلل ولا سيما على المستوى الحكومي. لذا، بات الكلام على استقالة محتملة للحكومة اللبنانية غير ذي فائدة، باعتبار ان الحكومة مشلولة اساسا، وتحولت حكما الى تصريف الاعمال سواء اعلنت ذلك أم لم تعلنه.
ريتا صفير / النهار