في البدء كان القتل. قايين، قاتل أخيه، مثال لكل القتلة في كل زمان ومكان. الإنسان يسالم لأنه يخاف ان يُمات. السلام إذًا قناعة، إيمان. أما القتل فهو البدء. والبدء حيواني فينا إلى أن جاء الله وقال: لا تقتل. الهدوء غلب الطبع البشري. أتى بالتعليم الإلهي. أما الإنسان، فكما قال الرومان الأقدمون الإنسان ذئب للإنسان. أنت ان صرت إلهي الطباع والروح تكتسب السلام. تريده طمأنينة لك. الأساس ان تلغي الآخر. انها نعمة ان تحس ان الآخر ضروري لك. وكثيرا ما شعرت ان موته ضروري، أو موته يحييك. المحبة بمعناها الحقيقي الواسع ليست من مألوف قلوبنا. هي نعمة من فوق.
ألا تكون عنيفاً في فكرك قبل المعاملة أمر نازل عليك من فوق. ان تصير هادئاً حتى إعطاء السلام لكل مخلوق يعني انك تجاوزت الحيوان الكامن فيك. ان تقبل الآخر كما هو، كما تراه تعني انك قبلته خليقة الله وانك اعترفت بالله. من أصعب الأشياء ان تعترف بالآخر في محبة. ان تحب هو ألا تتمسك بمصالحك ومنافعك، ان تكون معرضاً للآخر ونزواته وأحقاده. الاعتراف بالآخر هو المحك الذي تعرف به انك محب لله. أنت لا ترى الله ولا تتأكد انك محبه ما لم تكن محباً للناس. ان تكون مسالماً في المعاملة لا تكفي اذ قد تخفي مصالح لك ومنافع. ان يكون قلبك محباً هذا كل شيء.
الإنسان في الأصل ذئب للإنسان إلى ان يتوب. المحبة من الله. المحبة لا تبقى فيك ولا تتأصل ما لم تكن خاضعاً لله ترى من خلاله البشر جميعاً إخوة. الإنسان قاتل للإنسان فكرًا أو عملًا ما لم يكتشف ان الانسان الآخر حبيب الله.
ان لم تكن خائفاً من إنسان آخر تغفر له لإيمانك انه حبيب الله. أنت تريد ان يبقى الرب عنده وتحس انه أخوك بأمر من الله. بلا هذا الإلهام الإلهي لك مصالحك وله مصالحه. الرب وحده يكشف لك انه أخوك وإذا ضعف إيمانك بالله تكون صلتك مع الآخرين قائمة على مصالح لك ولهم. الرب وحده جامع الناس اليه أي أنهم يلتقون بعضهم بعضاً بالإيمان.
أنت لا تقتل لأنك تريد الحياة لك أيضاً. الذي يسالمك يريد الحياة لك ولنفسه. وهذا يأتي إما من خوف عنده وإما من محبة للسلام ليست قائمة على الخوف.
في البدء كان قايين أي كان القتل. المحبة جاءت في ما بعد. لذلك جاء في الكتاب عندنا “الله محبة” أي هو الجامع بينك وبين الآخر وهو الواضع فيك احترام الآخر وتصبح المسالمة طبعا. في الحقيقة ليس من طبع. هناك النعمة تنزل عليك لأن الرسول عندما قال “الله محبة” أراد انه هو الذي يعطيها. لا تكفي بشرتك لكي تحب لأنها تحب وتبغض أما اذا انحصرت في المحبة فأنت آت من الله.
كل من أبغض قاتل نفس واذا لم تبغض تكون آتياً من الله. وعندما قال يوحنا الرسول “الله محبة” أراد ان طبيعة الله هي المحبة. عندما نقول هذا نريد ان الله وحده هو القادر ان يخرج من نفسه ليضم الخلائق كلها اليه.
القاتل يقيم نفسه مقام الله لأنه يتولى الموت الذي هو أمر من الله فينا. الحياة يستردها من أعطاها لذلك لا تقتل أحداً ولا تقتل نفسك.
النهار