يصف الرسامون ايقونة القديس مارون وهو يرتدي فيها الإسكيم وهو اللباس الرسمي للرهبان، ويتشح بالبطرشيل وفي ذلك إشارة إلى كونه كاهنا؛ في حين يمسك بعصا الرعاية دلالة على كونه راعي الكنيسة المارونية وشفيعها .
يعّد القديس مارون من أشهر الشخصيات الكنيسة السريانية الانطاكية المارونية. وهو راهب وناسك وكاهن، شفيع وأب الموارنة . وشُيدت كثير من الكنائس في العالم تكريما لاسمه، واتخذه اسمه كثيرون تيمنًا وليكون لهم مثالا حياً للاقتداء . ومن هنا نلقي نظرة خاطفة على سيرة حياته وأثره الروحي من كتابات القديس يوحنا فم الذهب له والمؤرخ المطران ثيودوريطس.
وُلِدَ القدّيس مارون نحو سنة 350م، في شمال سوريا في مدينة (“كفر نابو” ) قورش حاليا وهي تقع شمال شرقي أنطاكية. وهو آرامي العُرق وسريانيّ اللغة، كما يدل اسم مارون. وهو لفظة سريانية آرامية “مار” وتعني ” السيد “. على ما جاء في كتاب “تاريخ أصفياء الله” الذي الفه المؤرخ ثيودوريطس أسقف قورش عام 459 . كان صديق القديس يوحنا فم الذهب وزميل الدراسة دراسة في أنطاكية قبل أن يتبنى كل منهما نمط الحياة النسكية كما ورد في رسالة القديس يوحنا فم الذهب.
في عام 398 هجرَ مارون الحياة العامّة واعتزل في كالوتا على جبل في المنطقة القورشيّة شمالي غربي مدينة حلب. وعلى رأي عالم الاثار«كلرمون- غانو» ان هذا الجبل يدعى اليوم جبل سمعان، نسبة الى دير مار سمعان العامودي. وهناك قضي أيامه ولياليه في العراء بالصوم والصلاة والتقشّف متنسكا. وقد صفه ثيودوريطس قائلا :” مارس مارون تقشف وضروب من الإماتات، تحت جو السماء، متعبدًا ومجهدا في الأصوام والصلوات والليالي الساهرة والركوع والسجود، والتأمل في كمال الله ومتى اشتدَّت العواصف كان يلجأ إلى خيمةٍ نَصَبَها هناك من جلد الماعز. وابتنى لنفسه صومعة حقيرة يلجأ إليها في ظروف نادرة” . واقام على المعبد الوثني المهجور للإله نبّو فحوّل ما فيه الى عبادة الله الحقيقية .
ونظرا الى تقشّفه ومواعظه وموهبة الشفاء جعلت الناس يتوافدون إليه من القرى والبلدات المجاورة ، منهم مَن لجأ إليه لمرضٍ جسديّ وآخرون لمرضٍ نفسي. فجاء في سيرة حياته :«كانت الحُمىَّ تخمدُ بظلِّ بركته، والأمراض على اختلافها تشفى جميعها، والأبالسة تنهزم بعلاجٍ واحد منه وهو “الصلاة”».
غير أن القديس مارون لم “يقتصر على شفاء أمراض الجسد بل كان يبرئ أيضًا أمراض الروح، فكان يشفي من الغضب والكذب واستباحة المحرمات وغيرها من المنكرات” كما ورد في سيرته في كتاب ثيودوريطس.
والتف حوله في مغاور وكهوف وصوامع، ينتظرون تفقده إياهم فيصغون بلهفة الى عظاته وإرشاداته«الموجّهة الهادية في مجاهل الحياة النسكية». وكان أقرَب الأشخاص إلى مارون الراهب زابينا الّذي أولاه القدّيس الكثير من الاحترام وأوقرَ شيخوخته واقتدى ببعض طُرُقه في الزُهدِ والتقشّف حتى أنّ بعض المؤرخين اعتبرَ أنَّ الراهب زابينا قد يكون معلّم مارون. ومن تلاميذه ايضا يعقوب القورشي وليمناوس، وصديقه الناسك زيبيناس.
وفي عام410 توفي القدّيس مارون “فقامت معركة عنيفة بين السكّان المجاورين للاستيلاء على جثمانه، وكانت الغلبة لبلدة متاخمة مكتظّة بالسكّان.” كما ذكرُ المؤرِّخ ثيودوريطُس وهذه البلدة تنطبق فعليًا على براد التي كانت مركزًا إداريًا في سوريا الشماليّة، جنوب قورش في نحو نصف ساعة بينها وبين حلب. وهو ما قامت البطريركية المارونية بتثبيته رسميًا عام 2010.
وفي 452 شيَّد الامبراطور البيزنطيّ مرقيانوس ديراً بجوار بلدة معرّة النعمان تكريماً لهذا القدّيس العظيم. وانتسبَ كثيرون إلى هذا الدير فسُمّوا رُهبان دير مار مارون، كما انضوى أيضاً عددٌ لا يُستهان به من الراهبات ولعلَّ أشهرهنَّ القدّيسات مارانا وكيرا ودومنينا.
وبعد أن بشّر تلامذة مار مارون اهل لبنان تركز كيان المارونية في لبنان. فنشأت روحانية الموارنة في لبنان . واصبحت هذه الروحانية تراثٌ روحيٌّ يشدُّ الموارنة إلى الإنجيل، إلى السيّد المسيح الإله المتجسّد، بالقديس مارون مثالهم في عيش الإنجيل ببساطة وإخلاص، وبتفانٍ وبطولة .
وقد تمّ نقل ذخائرهامة القديس مارون من إيطاليا إلى لبنان العام 1999 ، بناءً على طلب من البطريركيّة المارونيّة، وأودعت في دير ريش موارن، دير هامة مارون . ومع ان الموارنة بعيدون عن جثمان القديس مارون، فان بركته تشملهم بذخائر هامته المقدسة.
ومنح البابا غفرانًا كاملاً وفق معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، لكل من يمارس سر الاعتراف وسر الإفخارستيا يوم 9 شباط من كل عام.
الوسوم :القديس مارون حياته واثره الروحي