ليس هناك مفهوم واحد للسيادة في لبنان، ولكن المتعارف عليه في القوانين الدولية والدساتير أنّ السيادة هي أن تكون الدولة مسؤولةً عن كل ما يجري على أراضيها وفي مياهها وأجوائها، وأن تمنع أياً كان من انتهاك حدودها وأن تكون سلطة القرار بيد الحكومة التي يفترض فيها أن تضع مصلحة الوطن والمواطنين أولويةً لا تعلو عليها أولويات.
كل هذه المفاهيم نفتقدها في لبنان، فالسلطة الراهنة فاقدة السيطرة على ما يجري على أراضيها وفي مياهها وأجوائها، وإذا لم تكن قوى الأمر الواقع المسلحة راضيةً عن أي خطوةٍ لهذه السلطة فلن ترى تلك الخطوة النور لا بل على هذه السلطة أن تنسق مع قوة الأمر الواقع تلك كل التفاصيل المتعلقة بأي خطوةٍ تعتزم تنفيذها وأي تراخ في هذا الموضوع يعتبر خيانةً وعمالةً.
كل هذا ينسحب أيضاً على مسألة الحدود المنتهكة من العدو والشقيق ومن يحمل الهوية اللبنانية من قوة الأمر الواقع، ويمكننا القول بصراحةٍ كليةٍ ومن دون أي تردد انّ السلطة الراهنة في لبنان تعمل لصالح مصلحة قوة الأمر الواقع ومشروعها السياسي وغير السياسي.
هذا الواقع هو الذي يحكم اليوم العلاقة بين هذه السلطة والمجتمع الدولي والذي يظهر حالياً في النقاش الدائر حول تجديد فترة انتداب قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان بموجب القرار 1701، فالسلطة الراهنة تعتبر أنّ هذا القرار يتيح وجود سلاحٍ ومجموعاتٍ مسلحةٍ غير السلاح الشرعي والقوى العسكرية النظامية لأنه يقول «بممارسة سيادة الدولة اللبنانية بشكل كامل وبما يؤدي إلى عدم وجود أي سلاح بدون موافقة الحكومة اللبنانية وعدم وجود أي سلطة غير تلك التي تمارسها الحكومة اللبنانية»، و»بمنع أي قوة أجنبية في لبنان لا تحظى بموافقة الحكومة اللبنانية»، وبالتالي فإنّ قوّة الأمر الواقع المسلحة ومن يساندها من خبراء غير لبنانيين، يتواجدون في جنوب لبنان وغيره بصورة شرعية لأنّ الحكومات اللبنانية المتعاقبة وافقت في بياناتها الوزارية على تغطية هذه القوة وأسلحتها.
وانطلاقاً مما سبق تطالب السلطة الحالية بتقييد حركة اليونيفيل جنوب الليطاني، باعتبار أنّ أي مواجهةٍ لها مع قوّة الأمر الواقع ومؤيديها هي مواجهة مع الشرعية اللبنانية ما يؤدي إلى شل عمل القوات الدولية واقتصار عملها على الأمور الإجتماعية والتنموية وإحصاء الخروقات الإسرائيلية لا سيما وأن قوة الأمر الواقع المسلحة لا تعتبر هذه القوات ضمانةً في وجه الخروقات والتعديات الإسرائيلية.
إزاء هذا الواقع الذي تفرضه السلطة يبرز السؤال لماذا تبقى القوات الدولية في جنوب الليطاني إذاً طالما أنّ كل السلاح والمسلحين هناك يتمتعون بغطاء شرعي؟ اليس الأجدى أن يطلب لبنان سحب هذه القوات لأن لا دور لها في الأمن الحدودي؟
قد يكون من الأفضل للمجتمع الدولي الذي يتحمل مسؤوليةً في صياغة القرار 1701 أن يبادر هو ويسحب هذه القوات وأن يترك للسلطة اللبنانية أن تدير بنفسها الأوضاع عند الحدود مع إسرائيل، فلا ينفق هذا المجتمع عندها وفي مقدمه الولايات المتحدة مئات ملايين الدولارات سنوياً على هذه القوات التي يراد لها أن تكون ديكوراً في سيادةٍ غير مفهومة.