تُحسب للرئيس العماد ميشال عون مبادرته إلى تكريم المطران جورج خضر راعي أبرشيّة جبل لبنان للروم الأرثوذكس، بحضور بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنّا العاشر. فعدا عن تغيير العادة بتكريم الأحياء قبل أن يغادروا هذه الفانية، أحسن رئيس الجمهوريّة اختيار مَن يُجمع اللبنانيّون من دون استثناء على محبّته واحترامه وتقدير فكره وقلمه، المطران جورج خضر ذي الثلاثة والتسعين عامًا.
اللقب الرسميّ للمطران جورج خضر هو “المطران جورج اللبنانيّ” ذلك أنّ التقليد الكنسيّ لا يذكر اسم عائلة المطران، بل ينسبه إلى الأبرشيّة التي هو أسقفها. هو مطران جبل لبنان، وتاليًا، هو مطران لبنان، وفق التسمية التي كانت سائدة قبل إنشاء لبنان الكبير عام 1920، وقبل تسمية قلب لبنان باسم جبل لبنان.
أن يكون جورج خضر مطرانًا للبنان يحمل رموزًا كبيرة. فالخضر أراد لبنان أن يكون ملكوتًا، وليس أقلّ من ذلك، ملكوتًا تسود فيه الفضائل والقيم الإنجيليّة. فمهمّة المطران الأساسيّة هي السعي إلى تقديس شعبه عبر الكلمة الإلهيّة، ولكن أيضًا عبر غسل الأرجل وخدمة الفقراء. هو مطران لبنان الذي حدوده البحر والسهل، ويتوسّطه الجبل، لكنّه شاء أن يقول الناس، الناس من جميع أصقاع الدنيا: تعالوا إلى لبنان لنرَ ملكوتًا تحقّق قبل الأوان. تعالوا لنصعد إلى السماء، إلى جبل لبنان، منذ الآن.
لبنان جورج خضر هو “لبنان عظيم”، إنّما على الرجاء. “هذا بلد عظيم ليس بحاجة لأن يعظّمه أحد”. لكنّه استدرك قائلاً: “نحن مدعوّون بسبب من لبنان أن نكون كبارًا”. أن نكون كبارًا بماذا؟ بالتواضع، على قوله هو أيضًا. كلام خضر له دائمًا مرجعيّته في الكتاب المقدّس: “مَن رفع نفسه اتّضع، ومن وضع نفسه ارتفع” (لوقا 18، 14). أن نكون كبارًا هو أن نكون متواضعين. والتواضع هو في الأرثوذكسيّة باب كلّ الفضائل.
لم يرضَ أن يكون اللبنانيّون بأقلّ من قدّيسين، يحبّون بعضهم بعضًا، رحماء بعضهم ببعض، “أن يكون كلّ شيء بينهم مشتركًا”. لبنان عظيم “بسبب ما فيه من بهاء وجمال، أي من وعود بالكِبر”، يقول المطران جورج خضر، لكنّ اللبنانيّين مدعوّون إلى أن يصيروا أعظم من لبنان بتواضعهم وسعيهم إلى القداسة، والقداسة بدؤُها التوبة. لبنان سيبيد، لكنّ اللبنانيّون سيحيون إلى الأبد.
لا يحبّ جورج خضر أن يكون مطران طائفة، لأنّ الطائفة هي من هذا العالم وتبقى في هذا العالم. هو أحبّ أن يكون مطران الكنيسة، الجماعة المؤمنة، وسعى كلّ جهده إلى أن يجعل الطائفة كنيسة. والكنيسة تبدأ في هذا العالم لكنّها تمتدّ إلى الأبد. الطائفة تفسد وتعود إلى التراب، فيما الكنيسة تبقى حيّة بربّها. لهذا أحبّ أن يصير لبنان كنيسة تشبه كنيسة اليوم الأخير، كنيسة تضمّ كلّ الأبرار والصالحين إلى أيّ إيمان انتموا، على حدّ قوله.
هل صدفة أن يكرّم الرئيس ميشال عون المطران جورج يوم 31 كانون الثاني، اليوم الذي يلي الثلاثين من الشهر ذاته، اليوم الذي تحتفل فيه الكنيسة الأرثوذكسيّة بعيد الثلاثة الأقمار، القدّيسين باسيليوس الكبير، ويوحنّا الذهبيّ الفم، وغريغوريوس اللاهوتيّ؟ كلاّ، ليس صدفة، ونحن قوم لا نؤمن بالصدف، بل بالعناية الإلهيّة. يستحقّ المطران جورج خضر أن يكون “القمر الرابع”، معلّم المسكونة، ليس فقط بعلمه وفكره، بل بتواضعه ومحبّته، وبحمله صليب لبنان.
شكرًا للبنان، ولرئيس الجمهوريّة، تكريم المطران جورج خضر. وإلى سنين عديدة، غبطةَ البطريرك، وسيادةَ المطران، وفخامةَ الرئيس.
الأب جورج مسّوح