لمناسبة افتتاح سلسلة لقاءات حول موضوع صورة الأب في مدينة كيودجا الإيطالية قام أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين بزيارة إلى هذه المدينة الواقعة في محافظة البندقية وألقى مداخلة تمحورت حول شخصيات البابوات الثلاثة الذين تعاقبوا خلال العام 1978، وهم البابا مونتيني، بولس السادس، ثم البابا لوتشاني يوحنا بولس الأول فالبابا فويتيوا، يوحنا بولس الثاني. استهل المسؤول الفاتيكاني كلمته متحدثا عن خبرته الشخصية مع البابا باتشيلي، بيوس الثاني عشر قائلا إنها تسنت له فرصة مرافقة هذا البابا الراحل في العديد من الاحتفالات العامة، وأشار إلى أن المؤمنين كانوا يكنّون محبة كبيرة له، وكان ينقل لهم هذا الشعور بالأبوة الذي يجتاح الروح والقلب، إنه شعور لا يُتعب الإنسان ولا يعرف الكلل. ولفت إلى أن هذا البابا كان يقول على الدوام إنه لم يتعب قط من لقاء المؤمنين ورفع يديه لمباركتهم.
بعدها انتقل الكاردينال بارولين للحديث عن البابا الطوباوي بولس السادس الذي توفاه الله في العام 1978، وقال إن إيطاليا اختبرت في مطلع ذلك العام ذروة الإرهاب مع اختطاف وقتل رئيس الوزراء آنذاك ألدو مورو، ومصرع حراسه الشخصيين. وفي الثاني والعشرين من أيار مايو من عام 1978 وافق البرلمان الإيطالي على القانون المتعلق بتشريع الإجهاض، ما سبب ألما كبيراً بالنسبة للبابا مونتيني. كما أن ذلك العام تميّز بالتوقيع على اتفاقات كامب دايفد بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغين في السابع عشر من أيلول سبتمبر 1978، بعد اثني عشر يوما من المفاوضات السرية. وأوضح أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان أن البابا بولس السادس عرف كيف يستسلم تماماً لمشيئة الله، وقد سعى جاهدا من أجل الحفاظ على وحدة الكنيسة الكاثوليكية والتأكيد على حقيقة الإيمان في وقت كان يضعه فيه البعض موضع شك.
وبعد وفاة البابا جوفاني باتيستا مونتيني في كاستل غندولفو انتُخب خلفا له البابا ألبينو لوتشاني، يوحنا بولس الأول، وقد تميّز هذا الرجل بالتواضع والبساطة والمشاعر الإنسانية وقد تمكن من اكتساب قلوب العديد من المؤمنين وغير المؤمنين حول العالم. ولم يستمر هذا البابا طويلاً إذ ورد نبأ العثور عليه جثة هامدة في سريره صباح التاسع والعشرين من أيلول سبتمبر من العام 1978. وقد توالت حشود غفيرة من المؤمنين إلى الفاتيكان لإلقاء النظرة الأخيرة على البابا لوتشاني الذي غادرهم بسرعة فائقة. وقد حل مكانه البابا كارول فويتيوا أول بابا سلافي في الكنيسة، هذا البابا الآتي من بلد بعيد، كما قال عن نفسه خلال إطلالته الأولى. كان في الثامنة والخمسين من العمر، مفعماً بالنشاط والعافية، وكان معتادا على ممارسة الرياضة، وقد حمل بإيمانه الصلب والراسخ نفَسا جديداً داخل الكنيسة. وقد لعب هذا البابا دورا هاماً إذ ذكّر الكنيسة الجامعة بأن العديد من الأخوة والأخوات المسيحيين يتألمون ويعانون وراء الستار الحديدي، كما شدد في أكثر من مناسبة على ضرورة أن تتنفس القارة الأوروبية برئتيها الغربية والشرقية إذا ما شاءت البقاء على قيد الحياة.
وخلال حبريته الطويلة عرفت الكنيسة الكاثوليكية تحولات تاريخية هامة خصوصا مع سقوط جدار برلين، بعد أحد عشر عاماً فقط من انتخاب أول بابا من أوروبا الشرقية، وقد انهارت الكتلة الشيوعية الكبيرة دون وقوع ثورات وحروب وإراقة الدماء. وذكّر الكاردينال بارولين أيضا بالنداءات التي أطلقها البابا يوحنا بولس الثاني داعياً إلى عدم شن حرب ضد العراق. هذا فضلا عن الجهود التي بذلها البابا فويتوا من أجل ترسيخ مبدأ الشرعية الدولية لاسيما بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول سبتمبر في الولايات المتحدة والأحداث التي تبعتها وانتشار ظاهرة الإرهاب في العالم.
إذاعة الفاتيكان