عُقد في دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي مؤتمر صحي لتقديم “أداة العمل” للجمعية العامة العادية لسينودس الأساقفة التي ستُعقد من 3 إلى 28 تشرين الأول أكتوبر2018، وموضوعها “الشباب، الإيمان وتمييز الدعوات”. وفي بداية مداخلته لتقديم الوثيقة قال الأمين العام لسينودس الأساقفة الكاردينال لورنسو بالديسيري إنه يريد الإشارة إلى بعض العناصر الأساسية في أداة العمل الطويلة والمفصلة، وأوضح أنه سيتحدث أولا عن هدف السينودس والمنهج المتبَّع لصياغة أداة العمل ثم تركيبة الوثيقة. وعن النقطة الأولى قال الكاردينال إن الهدف الأول للسينودس هو جعل الكنسة بكاملها واعية بواجبها الهام، والذي لا يمكن اعتباره اختياريا، المتمثل في مرافقة الشباب جميعا نحو فرح الحب. يأتي بعد ذلك التعامل بشكل جدي مع هذه الرسالة، ويمكن هنا للكنيسة ذاتها أن تكتسب مجددا ديناميكية شبابية متجددة. والهدف الثالث حسب ما واصل الأمين العام ينطلق من أهمية استفادة الكنيسة من هذه الفرصة للقيام بتمييز الدعوات، وذلك لإعادة اكتشاف أفضل الأشكال للاستجابة لدعوتها كي تكون روح ونور عالمنا، ملحه وخميرته.
أما عن المنهج المتبَّع لصياغة “أداة العمل” فقال الكاردينال بالديسيري إنه أسلوب التمييز، وواصل أن السينودس في حد ذاته هو ممارسة للتمييز وأن مسيرة السينودس تتم من خلال الخطوات ذاتها التي تساعد كل شاب للتعرف على دعوته. ثم ذكَّر بحديث البابا فرنسيس في الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل” عن التمييز باستخدام ثلاثة أفعال: التعرف والتفسير والاختيار، ولهذا، تابع الأمين العام، تم تقسيم “أداة العمل” إلى ثلاثة أقسام في إشارة إلى الأفعال الثلاثة المذكورة.
توقف الكاردينال بالديسيري بعد ذلك عند هذه الأفعال الثلاثة فتحدث أولا عن التعرف، وذكَّر بلقاء يسوع تلميدَي عماوس اللذين، وحسب ما يروي إنحيل القديس مرقس، “انفتحت أعينهما وعرفاه (24، 31). وتابع الأمين العام أن التعرف بالتالي لا يعني أن نرى أو نصغي بشكل عام، بل أن نجعل نعمة التمتع بنظرة التلميذ تسكننا، وفهما للواقع قادر على رؤية القلب، وفطنة تولد من الرحمة التي تسكن كلا منا. التعرف هو المشاركة في نظرة الله إلى الواقع ورؤية كيف يكلمنا الله من خلال هذا الواقع. أما في حديثه عن الفعل الثاني، التفسير، فقال إن الواقع أهم من الفكرة، إلا أن الأفكار تصبح ضرورية ي حال التعرف على ما يطالب به هذا الواقع. وتابع أن هناك حاجة لإطار مرجعي لتفسير الواقع وذلك لتفادي السقوط في السطحية ومن أجل رؤية متكاملة ومشتركة. أما الفعل الثالث، الاختيار، فيمثل مرحلة حساسة، مرحلة اتخاذ قرارات شجاعة وبعيدة النظر، وأضاف أن التمييز قد يتعرض للتوقف في تحليلات لا تنتهي وتفسيرات مختلفة لا تقود إلى نتائج ملموسة، نبوية وعملية. من الضروري بالتالي إتمام المسيرة من خلال اختيارات متقاسَمة.
ثم انتقل الأمين العام لسينودس الأساقفة إلى التعريف بمحتويات “أداة العمل” بأقسامها الثلاثة، فتحدث عن القسم الأول ومحوره التعرف والمؤلف من خمسة فصول، وقال إن الفصلين الأولين يقدمان نظرة واسعة توضح الاختلافات والقضايا المشتركة العديدة بين شباب العالم، ويتطرقان إلى المخاوف إزاء قضايا مثل العلاقة بين الأجيال، والعالم الرقمي بما يحمل من فرص ومخاطر جديدة. يتطرق بعد ذلك الفصل الثالث إلى الشباب الفقراء والمتروكين الذين يرفضهم عالم يقوم على نموذج الإقصاء وثقافة الشراء والاستخدام ثم الإلقاء بالأشياء. وحين يطبَّق هذا على الشخص البشري فلا يكون هناك أي اعتبار لكرامته. ثم يأتي الفصل الرابع ليتطرق إلى ستة تحديات أنثروبولوجية وثقافية على الكنيسة مواجهتها في التزامها الرعوي إزاء الشياب، وهي أولا: المفهوم الجديد للجسد والمشاعر والجنس، ثانيا: نماذج المعرفة الحديثة والتي تفرض أشكالا جديدة للبحث عن الحقيقة، ثالثا: التبعات الأنثروبولوجية للعالم الرقمي، رابعا: الشعور المنتشر بالخذل إزاء المؤسسات على الصعيدين المدني والكنسي أيضا، خامسا: الشلل في اتخاذ قرارات والذي يحبس الشباب في مسيرات محدودة، وأخيرا بحث الشباب عن الجوانب الروحية في عالم معلمَن. أما محور الفصل الخامس والأخير من القسم الأول فهو الإصغاء إلى الشباب، مع الوعي بما تجد الكنيسة اليوم من صعاب في هذا المجال. وتابع الأمين العام أن من بين ما يتطلع إليه الشباب الروحانية والأمانة وقدرات علائقية متجددة وآليات استقبال نبوية، والتزام من أجل العدالة في العالم.
يأتي بعد ذلك القسم الثاني والذي يتحدث عن التفسير ويتألف من أربعة فصول تتطرق إلى أربع كلمات أساسية في السينودس ألا وهي الشباب، الدعوات، التمييز والمرافقة. يتحدث الفصل الأول عن الشباب من وجهة نظر بيبلية وأنثروبولوجية، ويوضح كيف أبرزت نصوص كثيرة من الكتاب المقدس كون الشباب زمن المحبة والفرح، الاستعداد للإصغاء والنضج، وفي المقام الأول زمن العلاقة الخلاصية مع الله. الفصل الثاني وموضوعه الدعوات يتحدث عن ضرورة إعادة طرح قضية الدعوات من وجهة نظر واسعة لتمكين الجميع من إدراك أهميتها. يتوقف الفصل الثالث عند التمييز ويوضح معنى وموضوع التمييز في ضوء الأفعال الثلاثة: التعرف والتفسير والاختيار. أما الفصل الرابع وموضوعه المرافقة فيعرِّف بأشكال المرافقة المختلفة مثل مرافقة الجماعة أو المرافقة في قراءة علامات الأزمنة، المرافقة النفسية والروحية وغيرها.
أما عن القسم الثالث والأخير في “أداة العمل” والمتمحور حول الاختيار فقال الكاردينال بالديسيري إنه يتألف من أربعة فصول، أولها يشكل مقدمة للحديث عن وجه كنيسة تجعل التمييز أسلوب عملها. يتوقف الفصل الثاني عند ضرورة تعامل الكنيسة مع الحياة اليومية للشباب وأن تكون حاضرة وفاعلة حيثما يعيشون حياتهم الملموسة. ويسلط الفصل الثالث الضوء على شكل وقوة الجماعة الكنسية اليوم فيما يتعلق بهويتها ورسالتها من أجل الشباب ومعهم، ويستعرض نقاط القوة والضعف المختلفة. أما الفصل الرابع والأخير فيتطرق إلى العمل الرعوي وتنظيمه وتحفيزه وذلك انطلاقا من الإصغاء إلى الشباب.
هذا وتُختتم “أداة العمل” بالحديث عن القداسة باعتبارها الدعوة الوحيدة والموحِّدة للبشرية بكاملها لأن ما من أحد مستبعَد من هذا الهدف للحياة، وتابع الكاردينال بالديسيري أن الوثيقة تذكَّر هنا بالكثير من القديسين الشباب الذين أبرزوا الشكل الأفضل لعيش تلك المرحلة المفعمة بالحماسة، الشباب. وختم مداخلته خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد صباح اليوم لتقديم “أداة العمل” لسينودس الأساقفة المخصص للشباب معربا عن الرجاء في أن يكون هذا السينودس فرصة حياة ورجاء للشباب والكنيسة والعالم.
إذاعة الفاتيكان