كل مَنْ كتب يحاور. لا يكتب ليقرأ نفسه. انه يجعل ذاته في معية أو يطلبها لإيمانه بأن ما قاله من الله وأن هذا القول يجب أن ينتشر. الكتابة في طبيعتها تفاوض، لقاء.
يكتب لأنه يحب ان يعرف الناس قوله، لأنه يسعى إلى مشاركتهم أي ان يقول حبه اياهم أو انه يلتمس محبتهم. الكتابة عمل من أعمال الحب الذي هو في كشف الحقيقة. أنت اذا أحببت تقول الحق. لذا جاء في القداس البيزنطي: “لنحب بعضنا بعضاً لكي نعترف بآب وابن…” فيكون المعنى ان المحبة شرط الكلام الحلال. وهذا ينفي الظن الشائع ان المحبة شيء، والعقل شيء واذا آمنا بهذا حتى النهاية نقول إنك إن لم تكن في حالة حب لا يجوز لك ان تتكلم.
أنت تخاطب دائماً ناساً تحبهم. وان لم يكن في خيالك وجوه لا تتكلم اذ يأتي عندئذ حديثك لغواً. إن تكلمت قل الصدق دائماً لئلا تكون جرحت إنساناً حاضراً أو غائباً. أنت، كاتباً، تسعى إلى إيصال الناس الى الحقيقة. إنها الجامع الوحيد بينك وبين الناس. وللناس عليك حق وهو أن يفهموا أن الحقيقة مما تقول وان غابت عنك أخرس. إنها العلاقة الوحيدة بينك وبين الناس لأن إيصالها وجه من وجوه المحبة.
وإن لم تحب تقع تحت الدينونة. لك ان تكتب ضد أفكار بعض الناس ولكن لا يجوز أن تكتب حاقدًا إذ يعسر على الحاقد أن يقول الحقيقة.
المبغضون لا يستطيعون أن يكتبوا. اذا كنت تحت تأثير البغض لا تكتب إذ يكون هذا دائماً شراً. المحبة وحدها مبدعة عند الذين يتعاطون الكلمة. الحب شرط لها.
المحبة كل الوجود. انت لا ترى إلى وجوه الناس لتحبهم، ترى إلى وجه الله وحده. ولكن إذا منحت لهم قلبك لا بد أن يعودوا إلى الله. ابذلْ نفسك تجدْها. احبسْها عن الناس تفنَ في قوقعتها. أعطِ ذاتك ترَ ان الرب حافظها. لا تموت نفسك بالحب. سرّ الله فينا أننا نحيا به من موت شهواتنا ويحيا بنا الآخرون. الحياة ليست بعد كل موت. هي من الموت المبذول حبّاً.
النهار