ألقى الكاهن مايكل كزيرني، نائب أمين سر الدائرة الفاتيكانية المعنية بالتنمية البشرية المتكاملة مداخلة أمام المشاركين في أعمال الدورة الخامسة التي تنظمها الأمم المتحدة في فينا حول موضوع “التأثير العالمي لظاهرة الهجرة”. سلط المسؤول الفاتيكاني في مداخلته الضوء على أهمية القيام بعمل منسّق على الصعيد الدولي بين المؤسسات السياسية والعالمين الاقتصادي والأكاديمي وبالتعاون مع منظمات المجتمع المدني وأتباع الديانات من أجل وضع حد لظاهرة الاتجار بالكائنات البشرية، وتهريب المهاجرين والأشكال الجديدة من العبودية. يُعقد المؤتمر في وقت تسعى فيه منظمة الأمم المتحدة إلى تبني إستراتيجية عالمية شاملة من أجل التعامل مع هذه الظاهرة ومراقبتها وتنظيمها وذلك خلال العام 2018 وقد تمحورت أعمال الدورة الخامسة التي اختُتمت يوم أمس الثلاثاء حول مواضيع تتعلق بالتعرف على ظاهرة الاتجار بالبشر وتوفير الحماية لضحاياها ومن بين هؤلاء عدد كبير من المهاجرين الذين يقعون في شرك المتاجرين بالكائنات البشرية.
بالعودة إلى مداخلة المسؤول الفاتيكاني اعتبر هذا الأخير أنه على الرغم من النتائج الهامة المحققة بفضل الاتفاقات الدولية، ما يزال المهاجرون وطالبو اللجوء الذين يعرضون حياتهم للخطر بحثا عن الأمن ومكان للسكن، ما يزالون يعانون من أوضاع هشة ويواجهون خطر الوقوع في يد الشبكات الإجرامية الدولية التي تعتاش على الاتجار بالبشر، وتقوم بإدارة هذه الظاهرة مستفيدة من غياب قنوات قانونية. واعتبر أن هشاشة هؤلاء الأشخاص تغذيها حلقة مفرغة من الفقر وغياب الدولة والبطالة وانعدام فرص التعليم، فضلا عن التمييز الذي يطال النساء والفتيات. من هذا المنطلق يشدد الكرسي الرسولي على ضرورة توفير إطار قانوني مناسب وممرات آمنة لهؤلاء المهاجرين، وهو يطلب أيضا من المجتمع المدني أن يشارك في هذه الجهود. وأكد كزيرني أن العبودية لا ينبغي أن تكون ظاهرة لا مفر منها تترافق مع النشاطات الاقتصادية، لا بل يتعين على المجتمعات أن تبذل ما في وسعها من أجل محاربة هذه الظاهرة المقيتة والوقاية منها. وختم المسؤول الفاتيكاني مداخلته مقترحا على الجماعة الدولية أن تقوم بجهود التنسيق على المستوى العالمي، وتقاسم المعلومات، ومحاكمة الأشخاص المتورطين في الاتجار بالبشر، وتوفير الحماية القانونية للمهاجرين والرعاية السيكولوجية لضحايا هذه الظاهرة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن البابا فرنسيس اتخذ في أكثر من مناسبة مواقف حازمة ضد ظاهرة الاتجار بالبشر، وفي رسالة وجّهها إلى المشاركين في المؤتمر السابع عشر ضد الاتجار بالكائنات البشريّة والذي نظّمته منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في فيينا في نيسان أبريل الماضي كتب البابا أنه “حان الوقت لنضع حدًّا للاتجار بالكائنات البشريّة، شكل من أشكال العبوديّة المعاصرة والخطيرة وآفة مُخزية للبشريّة”. وشدد البابا على ضرورة أن نكون جازمين في اقتلاع الاتجار بالبشر الذي يمثِّل إحدى الظواهر المُشينة التي تشوّه وجه البشريّة المعاصرة. إنه لعار كبير أن نكتشف أن الاتجار بالأشخاص يتمّ في كل البلدان ويمثِّل أحد الأعمال الأكثر ربحًا على الأرض. إنه أحد أشكال العبوديّة وهو جريمة ضدّ البشريّة وانتهاك لحقوق الإنسان، إنه آفة فظيعة ينبغي إدانتها ولاسيما بقوّة عندما تتعلّق بالأطفال. وتوجّه البابا إلى ممثلي الدول الذين شاركوا في المؤتمر وحثّهم على القيام بكل ما هو ممكن للتوعية حول هذه الآفة وعلى تنظيم الجهود القانونيّة والاجتماعية لإنقاذ ملايين الأطفال والبالغين. كما شدد أيضا على ضرورة الالتزام كي يتمّ منع استعباد العديد من الأشخاص ضحايا الاتجار بالبشر.
وكان مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك رئيس الأساقفة برنارديتو أوزا قد ألقى محاضرة في جامعة فوردهام بالولايات المتحدة الأمريكية حول موضوع “الكرسي الرسولي ومكافحة الاتجار بالبشر”. وأشار إلى أن هذه الآفة الخطيرة تحصد العديد من الضحايا في مختلف أنحاء العالم: إنهم رجال ونساء وأطفال يُتاجر بهم ويذهبون ضحية الاستغلال الجنسي والعبودية والعمل القسري. وشاء رئيس الأساقفة أوزا أن يسلط الضوء على الحجم الهائل لهذه الظاهرة الرهيبة لافتا إلى أن آخر التقديرات تشير إلى أن عدد ضحايا هذه الآفة يناهز الأربعين مليونا، ويُضاف إلى هذا العدد الهائل من الرجال والنساء والأطفال المستعبدين ثلاثة ملايين شخص سنويا بحسب التقديرات التي تشير أيضا إلى أن النساء والأطفال يشكلون نسبة ثمانين بالمائة من الضحايا. وأكد سيادته أن ظاهرة الاتجار بالبشر هي بحد ذاتها صناعة تحقق أرباحا سنوية تُقدر بأكثر من اثنين وثلاثين مليار دولار أمريكي. هذا ولفت الدبلوماسي الفاتيكاني إلى أن هذه الظاهرة آخذة بالنمو وللأسف وهي تتغذى من الحروب والصراعات المسلحة فضلا عن أوضاع العوز والفقر المدقع.
إذاعة الفاتيكان