شريط الأحداث
أختر اللغة
الرئيسية | أخبار الكنيسة | الكنيسة الكلدانية في العراق تحتفل بصوم الباعوثا
الكنيسة الكلدانية في العراق تحتفل بصوم الباعوثا
مسيحيي العراق

الكنيسة الكلدانية في العراق تحتفل بصوم الباعوثا

على مدى ثلاثة أيام متتالية من الصوم والصلاة أحيت الكنيسة الكلدانية في العراق صوم باعوثا.

والجدير ذكره أن “باعوثا” لفظة مشتقة من اللغات الشرقية القديمة وتعني التضرع أو الاستغاثة. أما في الطقس الكلداني فهو عبارة عن زمن ليتورجي قصير لمدة ثلاث أيام، يسوده طابع التوبة والصوم على ما يقترفه الإنسان من أخطاء ضد الله والناس. وقد وضع في القرن السابع الميلادي، نسبة أولاً إلى قصة يونان النبي الكتابية، وثانياً إلى وباء الطاعون الذي تفشى آنذاك في المنطقة، فأطلقت الكنيسة الصلاة والصوم على غرار أهل نينوى ليزيل الله عنهم هذا الوباء.

وفيما يلي عظة المطران بشار وردة، رئيس أساقفة أبرشية أربيل الكلدانية، خلال القداس الإلهي الذي أقيم في كنيسة مار يوسف الكلدانية، في بلدة عنكاوا، إحياءً لصوم باعوثا:

الباعوثا زمن التوبة؛ هذه هي دعوة المُصلي لنا في أيام الباعوثا، وترانا جادونَ في ذلك، جميعنا ينتظر هذه الأيام المُباركة من السنة، ويسعى جاهداً ليحفظَ هذا الصوم بإهتمام وإنتباه. صلاتنا اليوم وكل يومٍ، ليُباركَ ربنا صومنا ويقبل صلاتنا. ولكن، ومن أجل أن تحل بركات هذا الصوم بوفرة علينا، وجَبَ أن نتوقف للحظات لنتأمل في معنى التوبة التي ينتظرها ربنا منّا، فعلُ إيمان وتوبة للحياة لا لثلاثة أيام. فما نفع التوبة إذا تحوّلت إلى ممارسة أو طقس سنوي؟

اليوم يدعونا إلهنا إلى التوبة، إلى البدء من جديد. إلى توبة جذرية لا إلى أنصاف التوبة، أو توبة خجولة لا ديمومةَ لها. الغرابة تكمن في أن الإنسان لا يخجل من خطاياه بل يخجل من توبتهِ، وإذا حاججتهُ فسيقول: الإنسان ضعيف والظروف قاسية، والخطيئة من حولنا، فترانا نسقط. ولكن، نعمة الله أعظم من خطايانا، وهي تدعونا للعودة فلماذا نخجل من توبتنا؟

التوبة كما تعلمه أمنا الكنيسة هي دواء يُقدمه ربنا لنا ليشفينا من جراح الخطيئة، فنحن نعرف أننا نحمل نعمة الله في “آنية من خزفٍ” (2 كو 4: 7). إنسانيتنا معرضة للعذاب والمرض والضيق والألم، والتي تضعف أمام التجارب، وتقسو قلوبنا فلا نسمع ما يُريده الله منّا، ولا نُميّز إرادتهُ في حياتنا.

السؤال هو: كيف نعرِف أننا خطأة؟ ومَن ذا الذي يكشِف أننا خاطئونَ؟

محبّة الله هي التي تفضح خطايانا. أمام محبّة الله الغير المشروطة والتي رفعت يسوع إبنه على الصليب أعرف أنني خاطئٌ وأنانيٌّ ومُتكبرٌ وعنيفٌ وفاسدٌ. محبّة الله التي خلقتني لأكون على قلبِ الله، لأكون ما يُريدني أن أكون، ولكن خطيئتي تجعلني أكون في المكان الخطأ، بعيداً عن قلبِ الله. لذلك، تكشِف لنا قراءة حياة القديسيين كم أن الألم والحزن يعصر قلوبهم عندما يتأملون في محبة الله، وجدية الندامة التي يُقدمون عليها. هم يشعرون بأنهم مسؤولون عن خطاياهم وخطايا العالم الذي لا يعرِف محبّة الله. يختبرون الغُربة وأنهم بعيدون عن محبّة الله، مفصلونَ عنه. هم مائتونَ من دون الله مثل الغصن الذي قُطِعَ عن الشجرة. ولا يستطيع الغصن أن يعود إلى الشجرة، لذا، إلهنا وملكنا، وبسبب محبتهِ التي لا تتغيير بتغيّر الإنسان الخاطئ، غفرَ للإنسان وأعادَ له مجد البنوّة، حتّى قبل أن يطلبها الإنسان نفسه. الخروف الضال والآبن الضال هو محبوب الراعي والآب حتى في أيامِ ضياعهِ. نحن نُحِب مَن يُحبنا، أما الله فيُحب لأنه محبة. إلهنا لا يتغيّر، الإنسان هو الذي يتغيّر متقلباً في أهوائهِ، ومزاجيا ًفي تعاملاتهِ وخائناً في عهودهِ، ويُغلِق الباب أمام الله الذي يقول: “هوذا أنا واقفٌ على الباب أقرع، فإن سمعَ أحدٌ صوتي وفتح الباب دخلتِ إليهِ وتعشيتُ معه وتعشّى معي” (رؤ 3: 20). إلهنا مُستعد ليقبلَ الخاطئ ويغفر ويُعيد إليه المجد الذي فقده بتهورهِ وفي سوء إستخدامهِ لحريتهِ.

إلهنا وملكنا عارفٌ بضعفٍ الإنسان، وبجمسامة الخطيئة من حوله، لذا، واصل مرافقتهُ للإنسان، فكانت كلمة الله إلى الأنبياء يُطالبون فيها بحقوق الله، أي أن يعيش الإنسان باراً فيُجري الحق والعدل، ويسير بتواضع أمام الله، لينعمَ هو والقريب بحياة هانئة. فمجد الله هو حياة إنسانية كريمة للجميع. ولم يتمكّن الإنسان من سماع الكلمة والعمل بها، رافضا ًمحبّة الله في حياتهِ من دون أن يدري، لأننا بالخطيئة عادة نرفض محبّة الله، ونتراجع عن فعل الخير مع القريب، مع معرفتنا بهِ، طمعاً في سعادة أو مكسبٍ مؤقتٍ. فترانا أنانيين، طماعيين، شهوانيين، غضوبين، حاقدين، حسودين، مُستهزئين بحياة القريب، خونة للعهود، جبناء في تنفيذ مل يلزم، مخاصمينَ، ثرثارين، والمُرنم في صلوات الباعوثا يُذكرنا بقائمة من الخطايا التي نقترفها يوميا، منها خطايا ظاهرة، وأكثر منها خفيةٌ في القلب. أن قلوبنا عامرة بأفكار خبيثة وشريرة، مع أنها عامرة بمحبة الله أصل كل خيرٍ فينا..

أولى خطوات التوبة الصادقة هو شعورنا الشخصي بأننا بحاجة إلى التوبة! فلا يُمكن علاج المرض من دون الإقرار أولاً بأنني مريض. هذا الإعتراف سيجعلنا نتوجّه إلى مَن يستطيع مساعدتنا في نيل الشفاء. إعترافنا ليس ليُشعرنا بأننا فاسدونَ لا نستحق الحياة، بل أننا بعيدون عن محبّة التي تنتظرنا. إعترافنا هو من أجل عودة الشِركة مع الله التي فقدناها بالخطيئة. إلهنا ليس مُهتماً بخطايانا، بل بنا نحن الخاطئينَ الذين تركناهُ. إلهنا لم يقل ليونان ما نوع الخطايا التي يقترفها أهل نينوى. ربنا يسوع لم يسأل الخطأة ما الذي فعلتُم وعدد الخطايا ومكانها وزمانها؟ لم يسأل عن كل ذلك، بل منح الغفران مُسبقاً لزكا العشار فجاء الإعتراف حُراً صريحاً.

هذا الإعتراف سيكون دوماً في مواجهة محبّة الله، تماماً مثلما فعلَ أولئِكَ الذين أحضروا الزانية أمام ربّنا يسوع، والذين إنسحبوا والواحد تلو الآخر، معترفين في قلوبهم بأنهم ليسوا أفضل منها، مع أن ربّنا لم يأتِ ليدينهم، ولكن قلوبهم لم تصمد أمام قداسة الله فغادروا المكان بتبكيت الضمير، مثلما أن الزانية تغيّرت كُلياً أمام فيض المحبة التي أنعمَ بها ربّنا عليها، على أن لا تعود إلى الخطيئة.

الخطيئة إذن هي مرضٌ يُصيبُنا ويُفسِد قلوبنا، ولا يُمكن أن نُنكِر أننا بلا خطيئة، “فإذا زعمنا أننا بلا خطيئة خدعنا أنفسنا ولم نكن على حق” (1 يو 1: 8). وهذه كلمة كلمة الله إلى يونان: إذهب وقُل لأهل نينوى أن شرورهم صعدت إلى السماء، أن يعرفوا ويعترفوا أنهم خطأة، وهذا ما حصل مع منادة يونان: الجميع أقرَّ من كبيرهم إلى صغيرهم: أنهم خاطئون وعليهم أن يتوبوا، أن يُغيّروا حياتهم ويدعو إلى الله ويرجعوا عن طريق الشر وعن العنف الذي بأيديهم. خطاياهم صارت أمامهم وليست ورائهم، ولم ينكروا واقعهم ولم يقولوا للنبي: لم يُنبهنا أحدٌ من قبل، ولم يبعث الله إلينا بنبيّ مثلك. سمعوا تهديد النبي الغاضِب، وعرفوا أنهم فرصتهم الأخيرة. لقد أرسل الله إليهم نبياً جعلَ خطاياهم أمامهم، تماماً مثلما فعل ناثان مع داود النبي. ولكنهم عرفوا أن رسالة الله كانت محملة بالغفران، وفهِمَ الشعب هذه الرسالة وعملوا بها، فأنقلبت المدينة من مدينة شريرة إلى مدينة تائبة. من مدينة العنف إلى مدينة السلام. من مدينة بعيدة عن الله إلى مدينة تُصلي إليه، فتحققت نبؤة يونان ولكن لا مثلما كان يتمناها هو، بل مثلما أراد الله.

نحن نلنا نعمة الخلاص بيسوع المسيح، إلا أن إنسانيتنا والشهوة التي فينا تدفعنا إلى الإرتداد، إلى التوجه بعيداً عن الله. أن نعيش حياة كأننا لسنا بحاجة إلى الله، أو في أحسن الأحوال: ليبقَ الله في سمائه ونحن نُدبّر حياتنا. وهذه أحد مظاهر الخطيئة اليوم، وهي إهانة صريحة نوجهها لله أبينا. شعرَ الأبنُ بجسامة خطيئتهِ تجاه أبيه، ولكنه إعترافَ أنه أخطأ تجاه السماء: “يا أبتي إن خطئتُ إلى السماء وإليكَ” (لو 15: 18). عيش حياة من دون الله هي الخطيئة ستقودنا إلى سلوكيات شريرة. فما أكثر الخطايا التي اقترفها الإنسان في محاولته أن يثبِتَ نفسه سيّدَ الأرض وحاكمها المُطلق. أوهامٌ إنهارت مع الزمن، ولكنها خلّفت وراءها حياة أبرياء ومساكين. وما أكثرهم اليوم أولئك الذين يرغبون في تنصيب ذواتهم أسياداً على عوائلهم فيُضحون بالعائلة وببركاتها، والأمثلة كثيرة. حتّى يصل الخاطئ نفسه إلى مرحلة المبالغة والتطرف في مسعاهُ من دون أن يحصل على مُبتغاهُ، أو يصل إلى حالة من اليأس والقنوط والحزن لأنه لم يتمكن من تحقيق مسعاه، وخطيئتهُ أعظم من أن تُغتفر فيواصل حياة الخطيئة. وكلا الموقفين خطيئةٌ ممُيتة.

هذه هي الكذبة التي يُريد المُجرّب أن نُصدقها: إننا نستطيع الحياة من دون الله! أن الإنسان له أن يُنظم حياته ويُدبرها من دون الله! الإنسان قادرٌ على فعل المُستحيلات من دون الله! الإنسان له أن يكون إلهاً من دون الله! وكثرت المحاولات وتفاقمت الصرعات، ولا يُريد الإنسان، إلى يومنا هذا أن يعي: أنه هذه كذبة، وعليه أن يعود إلى الله مؤمناً أن له أباً ينتظرهُ ليجعل من عودتهِ إحتفالاً، فالأرض كلّها ستنعمُ بالفرح بتوبة خاطئ. لنستذكر معاً لحظات المُصالحة ما بين شخصينَ دمّرت الخطيئة علاقتهم! عُرس سماوي على الأرض. لهذا، قال الأب لأبنهِ الأكبر: “أخوكَ هذا كان ميتاً فعاش، وضالاً فوجِد، لذا، وجبَ علينا أن نتنعم ونفرح” (لو 15: 32). فكلما فكّر الإنسان أنه قادرٌ على العيش من دون الله، سيقترف الخطيئة، وكلما عادَ إلى الله، أختبرَ نعمة الفرح.

الخطيئة الأكثر حزناً كانت وما زالت هي خطيئة اليأس، اليأس من عدم القُدرة على التخلّص من الخطيئة، والتساؤول المُحيّر: ما الثمن الذي على الإنسان أن يدفعهُ ليؤدي حساباً عن خطاياهُ التي غُفرَت؟ وجاء الخبر السار: أنت مغفورٌ لك، لأن الله يُحبُك، وعليك أن تعيش بهذه النعمة: أنت محبوب الله. هذه البشارة لا تتحمل ندامة شكلية وتوبة شكلية مُبرراتها: “الإنسان ضعيف، ظروفنا صعبة، الجميع يُخطأ، الله الآب يغفر الخطايا … لنعود إلى الخطيئة لأننا لم نبتعد عنها كثيراً.

بُشرى الله تدعونا اليوم إلى الغوص إلى الأعماق للتعرف على تعاسة الخطيئة التي نحن فيها، من دون أن نخشى اليأس، أو نخاف العودة. الندامة تتطلّب منّا العودة إلى ذواتنا والإمساك بالخطيئة حيثما هي لا حيثما أريدها أن تكون، لأننا نخشى كثيراً التعرّف على حقيقة الخطيئة فينا، فنسعى لتفاديها. ربنا يُريدنا أن نتحمل مسؤولية خطايانا عارفين أنها إهانة موجهةٌ إليه، معترفين: أننا أخطأنا من دون أن أبحث عن مبررات أو مُسببات. الخطيئة فيَّ وأنا المسؤول عنها، تماماً مثل الأبن الضال الذي عرِف أنه أخطأ، ومثل اللص اليمين الذي إنكشَفَ كلياً أمام محبة المصلوب، ولم يتهّرب من واقع حياتهِ، بل حمله كلّه وجعله على صليب يسوع، مترجياً أن يجعله ربّنا في مكانٍ جديد غير الذي تعودّ أن يكون: “في ملكوتَك”. فنال ما أراده لأنه جعل رجاؤه في المسيح يسوع.

ولكن لماذا التوبة؟

هل من أجل أن نعيش حياةً أكثر أمناً وسلاماً فنعيش براحة الضمير؟ أم من أجل تفادي العقاب الإلهي؟ أو نيل مكافأة في الآخرة؟

لا يوجد للتوبة إلا مُبررٌ واحد ليجعلها توبةً أصيلة وصادقة، وهو: أن محبتنا لله أبينا، الذي أحبنا أولاً، هذه المحبة تجذبنا للعودة إليه تأئبين، ولا سبب غير ذلك. التوبة تعني الرجوع إلى الله، وتغيير السلوك اليومي، وإصلاح العلاقات التي أفسدتها أنانيتنا، والتأسف على جروح القريب التي كُنّا نحن سببها. فلا توبة من دون ثمار: أثمروا ثمراً يبرهن على توبتكم، قال يوحنا المعمذان لمُستعميهِ (متّى 3: 8). فنعمة التوبة تُجدد عقولنا وذهنيتنا ورؤيتنا وقلوبنا، لتكون أفكار ربنا يسوع فينا. التوبة تتضمنّ بالضرورة ثلاثة أفعال: الصيام (المُصالحة مع الذات)، والصلاة (المُصالحة مع الله)، والصدقة (المصالحة مع القريب). التوبة ليست مشاعر، بل مواقف عملية.

أين نحن من التوبة التي ينتظرها إلهنا منّا؟ هل نشعر حقيقةً بأننا نُهينُ إلهنا ونتجاهلهُ في حياتنا؟ هل سنتوقف عن إثارة الفتن؟ هل سنجعل من قلوبنا مقابر للأحاديث الشيطانية فنسمعها وندفنها ولا نسمح لسمومها أن تنتشر بين الناس؟ هل سنعمل على معاملة الآخرين بخير الكلام والأفعال؟ هل سنسمح للروح القُدس بأن يُطهِر أفكارنا وقلوبنا فلا يُعشش الشر فيها؟

نينوى إنقلبت من جراء نبؤة يونان، فمتى تنقلب القلوب التي عُمذت بإسم يسوع المسيح؟

ستيفان شاني، مندوب أبونا في أربيل

عن الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان

عضو في الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة UCIP الذي تأسس عام 1927 بهدف جمع كلمة الاعلاميين لخدمة السلام والحقيقة . يضم الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة - لبنان UCIP – LIBAN مجموعة من الإعلاميين الناشطين في مختلف الوسائل الإعلامية ومن الباحثين والأساتذة . تأسس عام 1997 بمبادرة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام استمرارا للمشاركة في التغطية الإعلامية لزيارة السعيد الذكر البابا القديس يوحنا بولس الثاني الى لبنان في أيار مايو من العام نفسه. "أوسيب لبنان" يعمل رسميا تحت اشراف مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان بموجب وثيقة تحمل الرقم 606 على 2000. وبموجب علم وخبر من الدولة اللبنانية رقم 122/ أد، تاريخ 12/4/2006. شعاره :" تعرفون الحق والحق يحرركم " (يوحنا 8:38 ).