أ
سوأ ما في الوضع الحالي الذي يعانيه اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً، هو تراخي المؤسسات الكنسية او تلك القريبة منها في التعامل مع الاوضاع الانسانية المستجدة، بعيداً عن التصريحات والخطابات الرنانة والمؤتمرات التي لا تغني ولا تسمن ولا تقدم مسكناً لمحتاج مهجر ولا علبة حليب لطفل صغير ولد على دروب الهجرة الطويلة الممتدة من سهل نينوى والموصل في العراق الى بعض مراكز الايواء في أنحاء لبنان.
يسمع المرء الشكوى من التقصير واللامبالاة والاهمال وانعدام روح المبادرة حيال مسيحيي الشرق في كل تجمعات اللاجئين العراقيين والسوريين المسيحيين. وعلى نقيض الاستقبال الذي تلقاه اللاجئون الآخرون، وخصوصاً السوريين عند بداية وصولهم الى لبنان، من الجمعيات وهيئات المجتمع المدني المختلفة، يبدو مسيحيو سوريا والعراق اللاجئون الى لبنان (والمقصود الفقراء منهم) متروكين لقدرهم لولا القليل من المساعدات التي لا تقاس بشيء أمام الرعاية التي وفرتها الامم المتحدة ووزارة الشؤون الاجتماعية وكل الجمعيات الاخرى من دينية ومدنية.
بدأت موجات اللجوء العراقي منذ الاحتلال الاميركي للعراق، وما ان بدأ استهداف المسيحيين، حتى أخذت اولى الموجات تصل الى أنحاء ساحل المتن، حيث تمركز القسم الاكبر من اللاجئين السوريين السريان والاشوريين عند أنسباء لهم أو في ضيافة كنائسهم، وبدل أن يبادر المسيحيون اللبنانيون الى احتضان هؤلاء اللاجئين لحضهم على البقاء في ارضهم وبلادهم، كان التنكر واللامبالاة عنوان التعامل مع هذه الجماعات التي سارعت الى اعداد جوازات السفر والهجرة تدريجاً الى اوروبا والاميركتين. وعندما بدأت الحرب الاهلية في سوريا كانت موجة اللجوء المسيحية الثانية الى لبنان، ليتوزع الارمن السوريون في برج حمود والسريان والاشوريون والكلدان لدى اقربائهم في محطة انتظار للحصول على سمة الهجرة الى الدول الاسكندنافية او الولايات المتحدة وكندا واستراليا، وكان عنوان الهجرة هو الأهم بعدما فقد هؤلاء اللاجئون كل جنى حياتهم، والاهم، بعدما وجدوا الاستقبال الفاتر من المسيحيين اللبنانيين، سواء المؤسسات الكنسية أو العلمانية.
يقول ناشطون سريان وارثوذكس ان “المؤسسات المسيحية اللبنانية ليست على قدر التحدي الكبير المتمثل بلجوء الآلاف من المسيحيين المشرقيين الى لبنان، اذ كان عليها استيعابهم وحسن استقبالهم في انتظار عودتهم الى بلادهم معززين مكرمين”. ويشير الناشطون الى استثناءات قليلة في حركة الكنيسة تتمثل في حركة مطران زحلة والبقاع للروم الكاثوليك عصام درويش، ومتروبوليت عكار للروم الارثوذكس المطران باسيليوس منصور، “وباستثناء ذلك لا تبدو مؤسسات الكنائس المسيحية على قدر التحدي، وخصوصاً تلك المعنية بالعمل الاجتماعي الانساني”.
ويشدد الناشطون على أن الحراك المسيحي اللبناني هو اعلامي في غالبيته ولا يقدم او يؤخر في مسار العمل الانساني وتثبيت اللاجئين في لبنان، على أمل اعادتهم الى بلادهم يوماً ما، ويشيرون الى ان “هذه اللامبالاة تجاه المسيحيين العراقيين والسوريين أدت الى تضخم عدد طالبي الهجرة امام السفارات بعدما أيقنوا أن لبنان لن يكون افضل لهم من بلادهم الام”.
بيار عطالله / النهار