يقفُ الكثيرون أمام تحدّيات عالم اليوم موقفَ المتسرّع لأخذ قطعة صغيرة أو كبيرة للعيش ، إمّا على حافّة العالم وإمّا وراءَ منافعَ وغايات شخصيّة فقط ، لكي يرضوا غرورهم ؛ أو يعملون ” على قسط ” الآخرين . متباهين بما عندهم ولكي يكونوا أفضلَ من غيرهم وكأنّ الحياة هي ” سباقٌ للأحصنة الجامحة ” !
أسفٌ كبير جدّا ، وخاصّة للشباب ، أن نرى هؤلاء يركضونَ بسرعة من هنا وهناك ، خلف الحياة معتبرينها ” رأسَ مال للإستثمار ” فقط … ناسينَ أنّ الحياة هي نعمةٌ مجانيّة وهديّة من الله . نراهم يضربون بعرض الحائط أسسَ الإيمان المسيحيّ والتعاليم الكنسيّة ، والعقيدة ، ويأخذون من المجتمع ومن الأفلام والمسلسلات ، والقيل والقال ، مبادئهم وأسسَهم اليوميّة كفتات يتساقطُ من موائد الأغنياء المغفّلين الذين ، وإن كانوا مسيحيّين ، فهم لا يمدّون طرف أصبعهم للمس حقيقة الإيمان والعقيدة والتعليم ! بل يضعون هذه الحقيقة في مكان ” إحتياط ” وقت الحاجة والعوزة . والله سيكونُ لهم ، في هذه الحالة المؤلمة ، قطع غيار فقط وكمهدّئ في الأوقات الصعبة (حبّة لوجع الرأس !) .
عندما يسمعُ أكثر هؤلاء الناس عن الكنيسة وعن الله وعن المسيح وعن الأخويّات والشبيبة ؛ يتقرفونَ وتتغيّر ملامحهم وصوتهم نفورًا وسلبيّة . حقيقة ، لا يمكننا أن نرفضهم أبدًا أو أن نعتبرهم سلبيّين على طول الخطّ ؛ بل لا بدَ لنا ، في هذه الحالة ، أن نعطي لهم صورة أكثرَ واقعيّة ومنطقيّة للإيمان المسيحيّ وأهميّته للحياة وللمجتمع . وأن نقولَ لهم ، بإنّ العقيدة والتعاليم الكنسيّة ليست للكهنة والرهبان والأساقفة . وأنّ ” القدّاس الإلهيّ – الذبيحة ” ، ليسا مسرحيّة تُعرض أمامنا في الكنيسة ، ونحنُ نجلسُ متفرّجين أمامها . أو ، غالبًا ما ، نظهر اللامبالاة تجاه كلام الشمّاس في قراءته للرسالة ، أو لكلام الكاهن في قراءته وشرحه للإنجيل .. وحتّى لبقيّة القدّاس الإلهيّ . فالقدّاس الإلهيّ ليس للكاهن وللشمّاس فقط ، هذا لإن الكنيسة ، من حقيقتها ، إنها شعب الله السائر نحو الملكوت ، وأنّ الأسرار هي سرّ المسيح الحاضر في العالم . والشعبُ المقدّس كلّه ، مدعوّ للمشاركة في الوليمة السماويّة . فنحنُ إنْ دعانا شخصٌ عزيزٌ علينا إلى وجبة عشاء ، فلا يمكنُ أن نجلسَ صامتينَ لا مبالين أمامه وكأننا لا نعرفه ..!
لماذا، والله المحبّ الذي دعانا مجّانا إلى وليمة السماء ، نديرُ ظهرنا لهذه النعمة الإلهيّة المجانيّة – ابنه الحبيب ، الذي فدانا بدمه على الصليبْ ، وأعطى لنا الحياة الأبديّة بقيامته ، قدّسَنا ووهبنا جسده ودمه في الإفخارستيّا ، وجعلنا أبناءً له مشاركين في الطبيعة الإلهيّة .
علينا ، اليوم والآن ، أن نغيّر طريقة تفكيرنا عن الكنيسة وعن الله وعن الحياة ، وأن نكونَ أكثر إيجابيّة في إحتفالنا بالإفخارستيّا ، وفي قبولنا بقيّة الأسرار الكنسيّة بمحبّة وطاعة ، تاركينَ ” النفور والقرف واللامبالاة والإهمال ” لأسس إيماننا المسيحيّ وللعقيدة وللتعاليم ” ، فلو أدركنا ما هي هذه التعاليم والأسس والقوانين وحقيقة العقيدة ، سيتغيّر ، لا محالة ، شكل عالمنا ونكونُ فعلا ، نورًا وملحًا . ونكوّن جماعة لبناء حياة سليمة ومجتمع عادل ، وتكونُ مصالحة كبرى أيضا لكلّ واحد منّا .
نصيحَتي لكلّ الذين يديرون ظهرهم ، بلامبالاة تجاه الإيمان والتعاليم والعقيدة ، غارقين في بحر وتيّارات العالم المعاصر ، أن لا يتسرّعوا في الحُكم .. بل أن يتريّثوا أكثرَ ، وأن يسألوا الذين يقدروا أن يشرحوا ويفسّروا لهم ما هم حائرين فيه ، من دون أن يكوّنوا فكرة مسبقة عمّا هم يريدونَه . وأن لا ينغرّوا بالثنائيّات القاتلة في الحياة : أنا على حقّ ـ فأنت مؤكد على خطأ، يا أبيض يا أسود …. إلخ . كونوا ثابتين ولا تكونوا متزعزعين ، متراخينَ ، محبطين ، كسولين ، لا مبالين ، فاترين ، ملتصقين بالحياة بطريقة سلبيّة ؛ فالذي يريد أن ينظرَ لرسم جميل عليه أن يبتعدَ لمسافة لا بأس بها ، كي يقدر أن يرى جمالَ اللوحة !
” التأمّل والتفكّر في الحياة في جلسة مع الذات ومراجعة الأفكار وسلبيّات قمنا بها ، كفيلةٌ بأن تقوّي فينا الرجاء والإيمان والمحبّة ” للتعمّق في أسس الإيمان المسيحيّ والنظر ليسوع دائمًا ” . إنّ التأمّل قوّة وطاقةٌ حيويّة يعطينا لنا الروح القدس لإكمال مسيرة الحياة .
” الحذر كلّ الحذر من أن يترك المسيحيّ إيمانه ويذهبُ لتيّارات أخرى لا دينيّة / علمانيّة ليبراليّة ” بحجّة أنّ الدين – الإيمان ، وكلاهما سيّان بالنسبة للعلمانيّ ، هو وهمٌ ومرضٌ للإنسان وتشويه لحقيقة العالم .
بقلم عدي توما / زينيت