تنطلق صباح اليوم المعارك الانتخابية في عدد من وحدات الجامعة اللبنانية وفروعها. منذ التاسعة صباحاً سيكون الاساتذة (المتفرغين ومن هم في الملاك) على موعد لانتخاب مجلس مندوبي رابطة الأساتذة لدورة 2016 – 2018، والمكوّن من 172 مقعداً، تتركز المعركة على 93 مقعداً، بعدما فاز 79 مندوباً بالتزكية. يأتي هذا الاستحقاق في وقت يعاني البلد شللاً مؤسساتياً، وفراغاً رئاسياً، وهو على مسافة 10 أيام من انتهاء ولاية رئيس الجامعة عدنان السيد حسين.
تسير في حقل ألغام، وتعتاش من «اللحم الحي». هذا هو باختصار واقع حال الجامعة اللبنانية التي بحكمة أساتذتها تحاول المحافظة على هويتها الجامعة وحماية مستقبل أكثر من 71 ألف طالب، في وطن تَخنقه الاصطفافات السياسية، والطائفية، وتشغله التوافقات الحزبية وتوزيع الحصص.
«حَيّدو الجامعة وتركونا نعرف نِشتغل»، يعلو صوت الأساتذة الغيارى على مستقبل الجامعة وصالحها، إذ يصعب على هؤلاء إخفاء حال الاشمئزاز التي بلغوها حيال تعاطي السياسيين مع الجامعة وأهلها، من إهمال، تطنيش، حسابات خاصة، وغيرها من الأساليب التي تبطئ عجلة تقدّم هذه المؤسسة الوطنية وازدهارها.
الإستحقاق الاول
تزامناً مع إطلاق الرئيس عدنان السيد حسين العام الجامعي 2016-2017 الاسبوع المنصرم، يشكل انتخاب مجلس مندوبي رابطة الاساتذة المتفرغين الاستحقاق الاول من نوعه هذا العام.
في هذا الاطار، يوضح أمين سر مجلس المندوبين، وممثل الاساتذة في كلية العلوم الفرع الثاني، الدكتور إيلي الحاج موسى أهمية هذا الاستحقاق، قائلاً: «المجلس جسم نقابي يضمّ الاساتذة المتفرغين في الجامعة، يسهر على تطبيق القوانين والدفاع عن حقوق الاساتذة، ستدور المنافسة ضمن حرم الكليات التي لم تحصل فيها تزكية، والعملية ديمقراطية بامتياز، يراقبها أساتذة من الرابطة، فيما إدارة كل كلية تهتم بتوفير الاحتياجات اللوجستية».
ويضيف في حديث لـ«الجمهورية»: «لا شك في أنّ اللبنانية تقدّم نموذجاً يحتذى به للمؤسسات كافة لجهة مواصلة ممارسة العملية الديمقراطية وإيصال أفراد منتخبين، من دون الوصول إلى حائط مسدود».
ويؤكّد الحاج موسى «انّ الاستحقاق يدور بمعزل عن الاحزاب والطوائف»، مولياً أهمية كبيرة «للدم الجديد الذي يمثله الاساتذة الشباب والذين لا يستسيغون رئاسة الرابطة لمَن شارف على التقاعد». ويقول: «على سبيل المثال في صندوق التعاضد الذي يقدم خدمات اجتماعية للأساتذة نصف أعضاء مجلس إدارته من المتقاعدين أو على عتبة التقاعد».
… وبعد انتخابات المجلس؟
تضمّ رابطة الاساتذة مجلس المندوبين والهيئة التنفيذية. لذا، بعد انتهاء انتخابات اليوم، يبدأ العد العكسي لانتخاب الهيئة التنفيذية للرابطة والمكوّنة من 15 عضواً، وذلك بعد انتخاب رئيس لمجلس المندوبين وأمين سر. وهنا لا بد من الاشارة الى انّه في العرف السائد، تتنقّل رئاسة الهيئة مداورة بين الطائفتين المسيحية والاسلام التي ستكون من نصيبها.
في هذا الإطار يأمل نائب رئيس الهيئة التنفيذية للرابطة الدكتور حسين رحّال «ان لا نشهد أيّ تأخير في انتخاب الهيئة التنفيذية كما شهدنا المرة الاخيرة، فقد انتظرنا نحو 3 أشهر لانتخاب الاعضاء»، مشدداً على «الالتزام بمواعيد الاستحقاقات كافة تكريساً للروح المؤسساتية والنقابية، وحرصاً على دمج الدم الجديد من الذين دخلوا الملاك أو التفرّغ، وبالتالي تأمين الديمومة».
ويوضح رحّال في حديث لـ«الجمهورية»: «تؤدي الهيئة التنفيذية الاعمال الادارية وتتواصل مع الهيئات الرسمية، الصناديق، إدارة الجامعة بهدف تحقيق المطالب الاكاديمية والنقابية للأساتذة، وتلتزم بضوابط المندوبين».
الرابطة ورئاسة الجامعة
أمّا عن دور الرابطة بالنسبة إلى الاستحقاق الأكبر، وهو تعيين رئيس للجامعة اللبنانية، فيقول رحال: «لا شك في انّ للرابطة دوراً في تأمين الإنتقال السليم، بما توافر لديها من أدوات، من خلال الضغط ميدانياً، عملياً… مثلما كان لها الدور الاساس في إقرار موضوع الملاك، لجهة دورية الدخول إلى الملاك والتفرّغ، بعدما حصلت على وعد رسمي من بو صعب والجهات العليا، إذا أتاحت الظروف السياسية، بطريقة يحدّد فيها مجلس الجامعة حاجاته، ويرفعها الى وزير التربية سنوياً».
ويضيف: «دور الرابطة لا يتجاوز الضغط لكي يتمّ الاستحقاق بموعده، نظراً إلى انّ المشكلة هي سياسية، وهي أعلى من قدرة الجامعة وقدرة الرابطة». ماذا لو لم يجتمع مجلس الوزراء قبل 13 تشرين الاول موعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي؟ ما الذي بوسع الرابطة القيام به؟
يجيب: «لا أستطيع إملاء ما على الرابطة فعله، ولكن كأكاديمي يمكن الضغط نقابياً من خلال اعتصامات، وإحراج السياسيين من أجل الوصول إلى تعيين رئيس للجامعة وعمداء.
ولا ننكر انّ هذا استحقاق «قَصّرت» فيه الحكومة بشكل واضح بصرف النظر عن الأسباب السياسية». والحل؟ يوضح رحال: «نتيجة نقاشات قانونية مع حقوقيين، فإنّ «الأسلم قانوناً هو التمديد لتسيير المرفق العام».
ما لها وما عليها
لا يختلف اثنان انّ الهيئة التنفيذية للرابطة الحالية قامت بكل ما بوسعها لتحسين ظروف الاساتذة، رغم عتب بعض الاساتذة المستثنين (أو المتفرغين الجدد؟) من التفرّغ.
ومنهم من وجد الرابطة في موقع لا تحسد عليه، لجهة العلاقة المتصَدّعة بين الرئيس عدنان السيد ووزير التربية الياس بو صعب، فيقول مصدر مطّلع: «أدَّت الهيئة دور «الإطفائي» أكثر من مرة، خصوصاً عندما كانت تتأخر رواتب الاساتذة».
ويضيف: «من مهمات الرابطة المقبلة الحرص على تأمين انتقال سليم في الرئاسة، وكذلك اعتماد الانتخاب على مستوى المديرين والعمداء من قبل الهيئة التعليمية وليس اللجوء إلى التكليف أو التعيين، بالاضافة إلى مهمات أخرى أساسية متابعة مسألة قانون المحسومات التقاعدية».
بين الفشل… والنجاح
من جهته يثني عضو في الهيئة التنفيذية (لخمس دورات)، الدكتور محمد صميلي، على الجو التنافسي الذي يكتنف العملية الانتخابية، قائلاً: «إنّ تداول المسؤوليات كل عامين يضفي زخماً وازدهاراً على مستوى الجامعة، لذا نجد الانتخابات اليوم محطة أساسية.
لذلك حرصنا في كل مرة من خلال البيانات الصادرة عن الهيئة أن نذكّر بمواعيد الاستحقاقات، وكذلك سابقاً بضرورة رفع المجلس لأسماء العمداء المرشحين لرئاسة الجامعة».
ويتابع متأسفاً: «لكنّ العرقلة هي على مستوى عمل الحكومة، لذا نأمل أن يدعو الرئيس تمام سلام الى جلسة يوم الخميس المقبل، وبالتالي الى تعيين رئيس جديد، والأجواء شبه محسومة لتعيين د. فؤاد أيوب».
وأضاف: «وفي حال عدم انعقاد جلسة، وحتى لو توافر غطاء قانوني للتمديد أو لتحديد الأكبر سناً، سيكون الرئيس بالوكالة، أي غير أصيل وأقرب إلى تصريف الأعمال».
يعتبر صميلي، أيّاً تكن الاسماء التي ستشكّلها الهيئة، أنّ أساس النجاح يبقى في انطلاق الهيئة الجديدة من حيثما وصلت إليه نظيرتها، قائلاً: «مجلس المندوبين ينتخب الهيئة ويراقب عملها، لذا على الهيئة أن تؤمّن استمرارية عمل من سبقها.
وفي ضوء خبرتي، أجد أنّ العمل المتواصل والممتد بين الهيئات هو ضمان لنجاح العمل وتعقّب ما أنجز من أهداف وما هو في طور الانجاز، مع الأخذ في الحسبان المستجدات والقضايا الجديدة المطلبية المطروحة».
إعتصام
تزامناً مع الانتخابات في الكليات، ينفّذ الاساتذة المستحقون التفرّغ والمستثنون منه تحركاً أمام قصر العدل في بيروت «للمطالبة بإحقاق الحق في دعواهم المرفوعة أمام مجلس شورى الدولة»، وذلك عند العاشرة والنصف من صباح اليوم.
في الختام، وسط الشلل المؤسساتي والفراغ القاتل الذي يعمّ لبنان، تُناضل «اللبنانية»، تلك المؤسسة «العسكرية» الطالبية، لتقدّم نموذجاً للحياة الانتخابية النزيهة التي يفتقر إليه الشعب في زمن كَثُر فيه التمديد وأسكتت فيه أصوات الصناديق.
نتالي اقليموس
الجمهورية