بيار عطالله / النهار
20 تشرين الأول 2015
ليس سهلاً ان يتذكر المرء المجازر التي حلت بقومه قبل 100 عام، في الوقت الذي يعيش ما تبقى من الشعب السرياني تحت وطأة الخطر بالموت قتلاً وتهجيراً وتنكيلاً، أو ينتظر قسم كبير منهم الحصول على تأشيرات الهجرة ليغادروا الشرق الى غير رجعة بعدما انهكتهم “الحملات المقدسة” عليهم. وتلك هي حال السريان الذين احتفلوا أمس بدعوة من “الرابطة السريانية” في لبنان بإزاحة الستار عن نصب “شهداء سيفو” وهي المذابح التي ارتكبها العثمانيون الاتراك مطلع القرن الفائت ضد الارمن، الذين يطلقون عليها اسم الابادة الارمنية التي طاولت مليوناً ونصف مليون منهم، والسريان والاشوريين والكلدان الذين قتل منهم 500 الف في مناطق جنوب شرق تركيا، او طور عابدين التي يصطلح على تسميتها اليوم ديار بكر.
في كلام السريان وابناء الاقليات المسيحية الكثير من الغصة والمرارة، فهم متروكون لقدرهم، ولا من يهتم لمصير بضعة عشر الف منهم لا زالوا يقاتلون في الخابور والجزيرة السورية، اي في اقصى شمال شرق سوريا الى جانب الوحدات الكردية وبعض الفصائل السورية المسلحة، من أجل إبعاد قتلة “داعش” عن عائلاتهم ومنازلهم، وابادة وجودهم. وبحنكة الاجيال والموروث التاريخي، يقول بطريرك انطاكية الرئيس الاعلى للكنيسة السريانية في العالم، اغناطيوس افرام الثاني بصوت عال في حفل ازاحة الستار، “إن مجزرة سيفو لن تكون الاخيرة، لكننا لن نسكت بعد اليوم ولا يمكننا ان ننسى ما حدث”.
اقيم الاحتفال في مدرسة الترقي السريانية، وحضره الوزير روني عريجي، والنائب ابرهيم كنعان وممثلون عن الاحزاب والجمعيات ورجال دين من مختلف الكنائس الشرقية، الى ممثلين عن العشائر العربية في شمال سوريا ومندوبين عن “وحدات حماية الجزيرة” وهو التنظيم السرياني المسلح في تلك الاصقاع. وكانت كلمات للمطران صليبا، والنائب كنعان الذي حض على التصدي للانقسام وقراءة مشتركة وشجاعة للتلاقي على الحق، وتحديد الصديق من العدو، وخلص الى “ضرورة الا يكون المسيحيون شهوداً على نحر التعددية ويشاركوا في الانقلاب على الشراكة”. فيما دعا الوزير عريجي الى “تسوية تاريخية وتنقية الذاكرة”، وصولاً الى كلمة رئيس “الرابطة السريانية” حبيب افرام الذي طالب تركيا بالاعتذار و”تصويب مسار التاريخ”، مؤكداً ان السريان “مثل طائر الفينيق ينهضون دائماً”.
وتطرق الى مأساة الآلاف من المهجرين والضحايا من نينوى والخابور وخطف المطرانين يازجي وابرهيم، وفرض عقد الذمة على اهالي القريتين السوريتين، معتبراً ان “من يخسر أرضه يخسر كل شيء”. وشرح عن التمثال الذي نحته جورج عون ويمثل رجلاً سريانياً يحمل السيد المسيح على ظهره. وخلص الى ان “ما يجري هو آخر معارك المسيحيين في الشرق ولا مكان للخنوع والتبعية والاستزلام”.
والختام كان مع البطريرك اغناطيوس افرام، الذي استهل بالسريانية متحدثاً عن الشهداء الذين اختاروا طريق الجلجلة ليعيشوا ويموتوا بكرامة. واشار الى “سيفو جديدة يعيشها السريان، وأن الجرح الذي اصاب هذا الشعب قبل 100 عام لم يندمل ولم يشف، ولا تزال الابادة قائمة بأشكال متعددة”. واستشهد بسلفه البطريرك الياس الثالث الذي وثق سقوط نصف مليون من السريان والاشوريين الكلدان، ليؤكد انه رغم ذلك هو ليس من دعاة الانتقام والعداء بل من دعاة السلام، قائلا: “لو انتبه العالم الى تلك المجازر لكنا منعنا مجازر اخرى”. وتوجه الى الاتراك داعياً اياهم الى فتح صفحة جديدة.