عقدت الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية مؤتمرا صحافيا، قبل ظهر اليوم في المركز الكاثوليكي للإعلام، أعلنت خلاله برنامج مؤتمرها السنوي “التربية البيئية – واقع ومرتجى”، يومي الثلاثاء والأربعاء 6 و7 ايلول الحالي، في ثانوية مار ضوميط للراهبات الأنطونيات، روميه – المتن.
شارك في المؤتمر مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الخوري عبده أبو كسم، مدير المدرسة الأنطونية الدولية – عجلتون الأب اندره ضاهر، رئيس نادي العلوم انطوان تيان، عضو الهيئة التنفيذية ومندوبة راهبات القلبين الأقدسين في الأمانة العامة الأخت عفاف أبو سمرا، في حضور الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار واعلاميين ومهتمين.
تيان
بداية، رحب الخوري أبو كسم بالحضور باسم رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، ثم كانت كلمة رئيس نادي العلوم تيان عن “التربية البيئية في الرسالة العامة لقداسة البابا فرنسيس “لك التسبيح Laudato si” تربية وروحانية إيكولوجية.
وقال تيان: “لك التسبيح، يا سيدي”، هكذا اعتاد القديس فرنسيس الأسيزي أن يرنم. كان يذكرنا، من خلال هذا النشيد الجميل، بأن بيتنا المشترك هو أيضا كأخت لنا، نتشارك معها الوجود، وكأم جميلة تحتضننا بين ذراعيها. “لك التسبيح، يا سيدي، لأختنا وأمنا الأرض، التي تحملنا وتحكمنا وتنتج ثمارا متنوعة مع زهور ملونة وأعشاب”. أختنا هذه تحتج على الأذى الذي نلحقه بها، بسبب الاستعمال غير المسؤول وانتهاك الخيرات التي وضعها الله فيها”.
وتابع: “لا شيء في هذا العالم يجعلنا غير مبالين أمام تدهور البيئة العالمي، قداسة البابا توجه إلى كل شخص يسكن هذا الكوكب، وإلى أعضاء الكنيسة خصوصا، لتحريك عملية إصلاح إرسالي، وهذا يتطلب تربية بيئية”.
وأكد ان “المشكلة الإيكولوجية، هي نتيجة مأساوية لممارسات الكائن البشري غير الخاضعة للرقابة، من خلال استغلال مفرط للطبيعة يعرض الأرض للتدمير ويعرض نفسه لأن يكون بدوره ضحية هذا التدهور. لهذا السبب دعا قداسة البابا إلى “الضرورة الملحة والحاجة إلى تغيير جذري في سلوك الإنسانية”، لأن “الانجازات العلمية الأكثر روعة، والمنجزات التقنية الأكثر إدهاشا، والنمو الاقتصادي الأكثر إبهارا، إن لم تكن مقرونة بتقدم اجتماعي وأخلاقي أصيل، فإنها في نهاية المطاف ستنقلب على الإنسان”.
وقال: “ليس للبيئة الطبيعية في نظر الإنسان، على ما يبدو، من معنى إلا أن يستغلها لأغراضه الآنية ويستخدمها للاستهلاك المباشر. فنحن مدعوون إلى توبة بيئية عامة والتقيد بالشروط الأدبية لصيانة البيئة البشرية صيانة صحيحة، وهو أمر مرتبط ارتباطا وثيقا بالثقافة التي تصيغ التعايش الإنساني”.
أضاف: “يجب أيضا الوضع في الحسبان التلوث الناتج عن النفايات. إننا ننتج سنويا مئات الملايين من أطنان النفايات، الكثير منها غير قابل للتحلل، إن الأرض، بيتنا المشترك، تبدو وكأنها تتحول أكثر فأكثر إلى مستودع هائل للقمامة، وهذه المشاكل هي ذات صلة وثيقة بثقافة الهدر وهذا يتطلب تربية بيئية”.
وأردف: “لم يسبق أن عاملنا بيتنا المشترك بمثل هذا السوء ولا ألحقنا به مثل هذا الأذى بمقدار ما فعلنا طيلة القرنين السابقين، المشكلة هي أننا لا نملك بعد الثقافة اللازمة لمواجهة هذه الأزمة، وهناك حاجة إلى تكوين قيادات تشق دروبا جديدة، وتسعى إلى تلبية حاجات الأجيال الحاضرة بمشاركة الجميع، دون المغامرة بالأجيال المستقبلية. وهذا يتطلب تربية بيئية وروحانية إيكولوجية والسعي إلى نمط آخر من الحياة”.
وقال: “دعانا قداسته الى تطوير قناعات جديدة ومواقف جديدة وأنماط حياة، وهكذا ينبري تحد كبير ثقافي، وروحي، وتربوي، يقتضي مراحل طويلة من التجدد”.
اضاف: “لقد شرعت التربية البيئية في توسيع حقل أهدافها. فإن كانت، في بداية الأمر، مركزة للغاية على المعلومات العلمية وعلى التوعية والوقاية من المخاطر البيئية، فهي الآن تميل إلى إدخال نقد “لأساطير” العصرنة التي ترتكز على عقل أداتي، وكذلك إلى استعادة مختلف مستويات التوازن الإيكولوجي: المستوى الداخلي مع الذات، والمستوى التضامني مع الآخرين، والمستوى الطبيعي مع جميع الخلائق، والمستوى الروحي مع الله. ينبغي على التربية البيئية أن تعدنا للقيام بهذه القفزة نحو “السر”، والذي منه تنهل الأخلاقية الإيكولوجية معناها الأعمق”.
وختم بالقول: “من النبيل جدا الالتزام بواجب الحفاظ على الخليقة من خلال القيام بأعمال يومية صغيرة، ومن الرائع أن تتوصل التربية إلى تحفيز هذه الأعمال حتى تحولها إلى نمط حياة. يمكن للتربية على المسؤولية البيئية أن تشجع سلوكيات مختلفة، ذات تأثير مباشر وهام في مسألة العناية بالبيئة. إن تربية مدرسية جيدة، في سن الطفولة والمراهقة، تزرع بذورا قد تعطي ثمارا على مدى الحياة. فالأنسان لا يحتاج الى شوارع نظيفة ليكون محترما ولكن الشوارع تحتاج الى إنسان محترم لتكون نظيفة”.
ضاهر
ثم كانت مداخلة الأب أندريه ضاهر عن “محاور المؤتمر” قال فيها: “كجاري عادتها تلتئم عائلة المدارس الكاثوليكية في لبنان في مؤتمرها السنوي لإطلاق ومعالجة موضوع تطال مفاعيله جميع الفئات التربوية. بعد التوقف على ماهية الخدمة الاجتماعية وآليتها خلال السنة الدراسية الفائتة اختار المكتب التربوي التابع للأمانة العامة عنوان “التربية البيئية واقع ومرتجى” كإشكالية تحفز جميع المعنيين على إيلاء الاهتمام بالخليقة والحفاظ على مكانة مهمة لها. زد على ذلك، الوضع المزري للكرة الأرضية والمتأتي من الأداء الانساني غير المسؤول. كما لا يسعنا إغفال الوضع المأساوي للطبيعة في لبنان وخصوصا في قضية النفايات وطرق التعاطي معها”.
واضاف: “في هذا الإطار، جاءت رسالة البابا فرنسيس ما قبل الأخيرة “كن مسبحا” لكي تحرك الضمائر وتدفعنا للعمل معا من أجل إعادة النظر في أهدافنا التربوية وصقل المهارات لدى التلاميذ بغية تدريبهم، ليس فقط على شجون البيئة فحسب، ولكن أيضا من أجل وضع خطة تمكننا من الحفاظ على نقاوة المياه وجمال الطبيعة والتنوع البيولوجي”.
وتابع: “كما يهمنا أن نذكر بالأهمية القصوى لتدريب تلاميذنا وحملهم على فرز النفايات والحفاظ على النظافة واستعمال الطاقة البديلة حيث أمكن، وتصويب الهدف في المأكل والمشرب. كما ينبغي علينا توعيتهم على الروحانية البيئية بطريقة عادلة. من هنا جاء المؤتمر بمحاور أربعة لكي يعالج هذه الإشكالية التي يغفلها البرنامج الحالي وتحل يتيمة في المنهج النمطي في بعض المدارس.”
واشار الى ان أعمال المؤتمر الثالث والعشرين لشبكة المدارس الكاثوليكية في لبنان تسلط الضوء على سبل الترجمة الفعلية لتوصيات البابا حول “بيتنا المشترك” في الحقل التربوي، وذلك من خلال مداخلة تتابعية لكل من المطران كميل زيدان والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
ويتخلل المؤتمر أربعة محاور، الأول يعالج الأسس والمبادئ للتربية البيئية متوقفا على الخبرة البلجيكية والأسس الاجتماعية لتنشئة مسيحية في هذا المضمار والمهارات التي ينبغي علينا تأصيلها لدى التلامذة من أجل تحفيز التنمية المستدامة. أما المحور الثاني فيتوقف حول المبادرات البيئية وخصوصا دور النوادي البيئية في المدارس ومساهمة المؤسسات غير الحكومية من أجل نشر ثقافة بيئية تستفيد من الخبرات العالمية في هذا المضمار وخصوصا لجهة حماية الثروة المائية.
وفي المحور الثالث، في اليوم الثاني، يتشارك المؤتمرون حول الطرق التي تساعد على تنشئة الكوادر التعليمية ورسم سمات المنشأ البيئي. وتختتم هذه الجلسة بمداخلة أخصائي فرنسي يتناول فيها كيفية تحفيز الجماعة التربوية من أجل الجودة في المعية البيئية”.
أما المحور الرابع والأخير، فيتوقف فيه المشاركون حول دور المؤسسات الرسمية وخصوصا وزارة البيئة ووزارة التربية في إعداد رعيل من التلاميذ يحملون هم المحافظة على كوكب الأرض من خلال تلقينهم المعلومات الكافية وتنشئتهم على مهارات تراعي المعايير العالمية للحفاظ على كوكبنا والدفاع عنه.
والجلسة الختامية تعرض قضايا وشجون قانونية متعلقة بالتربية في لبنان وتتكلل بمداخلة للأمين العام للمدارس الكاثوليكية في فرنسا يشدد من خلالها على أهمية وأهداف التعاون التربوي وإقامة جسور تواصل بين مدارسنا والمدارس الكاثوليكية في فرنسا. وتختتم أعمال هذين اليومين بتوصيات المؤتمر وبكلمة شكر للأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان الأب بطرس عازار الأنطوني”.
واعلن انه “بعيدا عن التهوين أو التهويل، علينا العمل سويا على بناء المواطن الواعي لمشكلات البيئة، والعامل على الاسهام بممارسات ايجابية، وتنمية الوعي على أهمية هذه البيئة، وصقل قيم إجتماعية، ودراسة المشكلات البيئية وتحليلها، من خلال منظور القيم وتنمية المهارات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات التي تربط بين الإنسان وبيئته البيوفيزيائية”.
واكد ان “مرادنا التدرب على أخلاق بيئية تسعى الى إيجاد التوازن البيئي ورفع مستوى الحياة للأفراد، وتنمية مفهوم جماعي أساسي للعلاقات الإنسانية والتفاعلات البيئية ككل، بالاضافة الى تزويد الجميع بفسحات مشاركة للتجارب وللمقترحات المحلية والإقليمية والدولية لحماية البيئة والإستفادة منها أو الإقتراح بتعديلها بهدف معاونتهم على إتخاذ القرارات السليمة لإسلوب التعايش مع البيئة وتوعية المجتمع”.
وختم: “انطلاقا من المشورات الأنجيلية والروحانية البيئية، اننا مدعوون معا الى تصويب الهدر وترشيد الاستهلاك والحوار حول رسم خارطة طريق تسمح للأجيال القادمة في العيش ببحبوحة في “بيتنا المشترك”. فلتكن هذه السنة فسحة للتميز بعلاقتنا بالمسكونة من خلال التبحر بالخليقة واحترام كل الخلائق والحرص على توبة داخلية تخفف من مفاعيل التعاطي الهدام مع المخلوقات. زد على ذلك أهمية السعي العادل في توزيع “عطية الله” افساحا في المجال امام كل فقير ليعيش بكرامة ابناء الله.”
أبو سمرا
ثم كانت كلمة الأخت عفاف أبو سمرا عن “المرتجى ما بعد المؤتمر” فقالت: “المؤتمر يوجه بالخطوط العامة، أما العمل الميداني فهو يخضع لنشاط كل إدارة معنية بالتطبيق لأن التوقف عند النظريات لا يتماشى مع العمل التربوي”.
وتابعت: “عمليا كل مدرسة تلتزم بمشروع تختاره وتنفذه مع فريق عملها بطريقة تفيد المتعلم من الخبرات الموضوعة على البحث اثناء المؤتمر، لأن موضوع المؤتمر ينطلق من حاجة اجتماعية، وما أحوجنا اليوم إلى الحفاظ على “بيتنا المشترك” كما يدعونا قداسة البابا فرنسيس في رسالته لمناسبة “اليوم العالمي للصلاة من أجل العناية بالخليقة” والذي تحتفل به الكنيسة الكاثوليكية في اتحاد مع إخوتنا وأخواتنا في الكنيسة الأرثوذكسية، وبمشاركة كنائس وجماعات مسيحية أخرى”.
وختمت بالقول “الأمانة العامة تحتضن كل المشاريع بحيث تؤمن كل الملفات اللازمة لمساندة المشروع، والهدف من العمل الجماعي على مستوى المدارس الكاثوليكية هو تبادل الخبرات وخلق مفهوم موحد لهذا العمل.”
أبو كسم
واختتم المؤتمر بكلمة الخوري أبو كسم وجه فيها “صرخة إلى جميع المسؤولين”، وقال: “نلتقي اليوم مثله في كل سنة لنعلن عن المؤتمر السنوي للمدارس الكاثوليكية في لبنان، وقد تختلف العناوين، لكن الهموم التي تشغل بال الأهل والمعلمين ما زالت هي هي، فالأهل يطمحون إلى تأمين العلم لأولادهم بأقل كلفة، والأساتذة يطمحون إلى تحسين رواتبهم والمدرسة الكاثوليكية، تسعى أن توازي بين مطالب الأهل من جهه ومطالب المعلمين من جهة أخرى، فيما الدولة تبقى المتفرج الأكبر، والمسؤولين فيها يتقاسمون جبنة النفظ بين أكوام النفايات، ضاربين عرض الحائط بهموم الناس ومشاكلهم، من دون حسيب أو رقيب، في غابة هذا الوطن”.
وتابع: “نعم نحن نعيش في غابة، الكبير فيها يفترس الصغير، والقوي يستقوي على الضعيف، وشعبنا يئن تحت وطأة الضرائب والرسوم يدفعها ليستفيد منها مليون ونصف لاجىء سوري على أرضنا ونصف مليون فلسطيني اي ما يوازي نصف الشعب اللبناني. فلبنان وحده يدفع فاتورة حروب المنطقة فيما العالم متفرج، وما تؤمنه الدولة لإخوتنا النازحين من تعليم ونقل وتأمين للكتب، غير متوفر للطلاب اللبنانيين. أفليس هذا الأمر يستوجب الحيرة والتساؤل؟”.
وختم بالقول “إننا وللمرة الألف نطالب الدولة اللبنانية، ومن خلالها وزارة التربية، إلى وضع خطة تربوية متكاملة تؤمن التعليم الإلزامي لجميع اللبنانيين، تتعاون فيها مع المدارس الخاصة بحيث يترك للطالب أن يختار المدرسة التي يريد أن يتعلم فيها وينال المساعدة اللازمة من الدولة، وإلا سنبقى ندور في دورة فارغة دون التوصل إلى أي نتيجة.”
وطنية