ليست المدرسة البطريركة في بيروت مجرد مدرسة. هي أم المدارس البيروتية، عمرها 150 سنة وتخرّج منها علماء وأدباء وشخصيات بارزة، وقد اصبحت معلماً تاريخياً سميت المنطقة التي تقع فيها في زقاق البلاط على اسمها.
هل يزول هذا الاسم العريق في ظل طروحات متداولة عن تأجير المدرسة؟ ما الاسباب التي قد تجعل كنيسة الروم الكاثوليك تتخلى عن احد رموزها وصروحها؟ لماذا لم تعد هذه المدرسة تستقطب التلامذة المسيحيين الذين لا يتجاوز عددهم فيها حاليا اصابع اليد الواحدة؟
سبع: الشركة لاعادة التوازن
وتبدو الخشية من تأجير المدرسة لمدة 30 سنة لشخص من آل حمود كما يتم التداول في اوساط المعنيين، مسيطرة على وجهاء الطائفة، فيما يؤكد رئيس المدرسة الاب الدكتور ميشال سبع في اتصال مع “النهار”: “اننا لا نبيع ولا نؤجر. ولمن يهمه الامر نحن نريد ان نتشارك مع مؤسسات تربوية لاعادة التوازن من اجل تحقيق هدف المدرسة”.
اما هدف المدرسة التي أنشئت من اجله، وفق سبع، فهو “المحافظة على الهوية الوطنية بنسيجها الاجتماعي والطائفي المتعدد، وهي مدرسة علمانية مؤمنة. وقد حافظت على هذا التنوع عبر تاريخها الى ان بدأ الفرز الطائفي والاجتماعي في بيروت، خصوصا في محيط المدرسة، فأصبح كل تلامذتها من لون واحد وتحديدا من الطائفة الشيعية. هؤلاء التلامذة هم اولادنا ونرعاهم بكل محبة وانفتاح. ولكن من اجل المحافظة على هدف انشاء المدرسة اي التنوع الطائفي والوحدة الوطنية، حاولنا جاهدين الاتصال بالرعايا المجاورة من اجل ارسال اولادهم المسيحيين الى المدرسة وفشلنا. لذلك عملنا مع بعض المؤسسات التربوية كي نتعاون لتحقيق هذا الهدف وحتى اليوم فشلنا. وفي كل مرة نتحرك تعلو اصوات تتهمنا اننا نريد ان نبيع او نؤجر”.
اضاف: “اليوم تعلو بعض اصوات الغيارى على المدرسة البطريركية وهذا شيء جيد بل ممتاز، ونتمنى على هؤلاء ان يساعدونا في تأمين تلامذة مسيحيين، على الاقل 20 في المئة من العدد الاجمالي للتلامذة اي 100 تلميذ مسيحي لبناني كي نتمكن من اكمال مسيرة المدرسة التاريخية”.
وتحدث سبع عن “امور اخرى نعانيها، كضرورة إعادة تأهيل المدرسة، علماً ان عمرها 150 سنة او صعوبة بعض التلامذة والاهالي في دفع مستوجباتهم وهو امر ثانوي بالنسبة الينا، وبالتالي كل من يظن اننا نريد ان نؤجر المدرسة من اجل الحصول على المال نقول له ان هذا بعيد من الواقع ومن رغبتنا في الاساس. وغبطة البطريرك لحام صاحب المدرسة هو انسان وطني قومي بامتياز، يريد ان تكون المدرسة الواجهة الحقيقية لطائفة الروم الكاثوليك، التي تنادي بالعيش المشترك والوحدة الوطنية”.
وردًا على سؤال عن الوضع الحالي للمدرسة ومصيرها، قال:”المدرسة مستمرة كما هي، وقد وضعت اعلاناً عن استمرار التسجيل. وانا اطرح الصوت كي نتساعد ونتشارك في تأمين هذا الهدف. المدرسة حالياً مستمرة، لا مؤجرة ولا مباعة. وأؤكد اننا نسعى الى تعاون مع مؤسسات لتأمين تلامذة مسيحيين. ومن يعترض على المشروع، فليطرح بديلاً”.
مطران بيروت يرفض “رفضا قاطعا”
وفيما يُحكى عن مبلغ 350 الف دولار كايجار سنوي تصاعدي، علماً ان سعر العقار الذي تقع عليه المدرسة يقدر ما بين 85 و90 مليون دولار، علمت “النهار” ان البطريرك لحام تلقى رسالة من مطران بيروت كيرلّس بسترس يرفض فيها “رفضا قاطعا” تأجير المدرسة ويدعو الى “العمل على تحسين الادارة”، مشيراً الى ان “تأجير هذه المدرسة سيكون مثالاً سيئاً لبقية المدارس في المناطق الاسلامية”. وقد اشار مرجع كاثوليكي الى ان “ما يجري اليوم في مدرسة زقاق البلاط جرى في مدرسة صور حيث مُرّرت الصفقة من دون ان يدري احد بها”، علماً ان المدرسة كما هي عليه اليوم لا تخسر ماليا. قد تكون ارباحها ضئيلة لكنها لا تخسر، وهذا ما اكدّه مقربون من الادارة.
عيسى: لن نسمح بتمرير الصفقة
من جهته، شنّ عضو المجلس الاعلى للروم الكاثوليك دافيد عيسى حملة على “من يريدون تمرير مشروع التأجير متلطين تحت شعار الشركة، من اجل الربح المادي. هم يصوّرون للرأي العام ان الموضوع مجرد عقد شراكة وليس تأجيرا للهروب من الحق القانوني والكنسي بالاعتراض على هذه الصفقة”.
واكد ان “تأجير المدرسة يعني اننا نقول للمسيحيين القاطنين في بيروت الغربية: “ضبّوا غراضكن وفلّوا”، وسيكون مثالا سيئا لمدارسنا في صور وبعلبك والنبطية حيث يندر الوجود المسيحي”. وتساءل “اين العيب في تعليم اولاد المسلمين؟ على العكس يجب ان يكون هذا من صلب رسالتنا”. وتعليقاً على موضوع ضرورة اعادة تأهيل المدرسة، قال ان “مدرسة المخلص في بدارو كانت كقن الدجاج، واليوم اصبحت من اكبر مدارس المنطقة”.
وتأمّل عيسى خيرا في “حرص البطريرك لحام على املاك الطائفة وحقوقها، ووفق معرفتي به فانه لن يسمح بتمرير مشروع خطير كهذا، علماً ان عملية بهذا الحجم المعنوي والمادي تتطلب موافقة السينودس العام للطائفة”.
وختم مؤكداً “اننا لن نسكت حيال هذا المشروع المشبوه ولن نسمح بتمريره مهما حصل”.
البطريركية: لا قرار حاليا
وكانت بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الكاثوليك اعلنت في بيان ان “اي قرار بالنسبة الى المدرسة البطريركية في زقاق البلاط لن يؤخذ الا بعد الدراسة المستفيضة واتباع الالية التي تفرضها القوانين الكنسية”. وجاء في البيان الذي وزعه المكتب الاعلامي للبطريركية: “منذ مدة تحاول البطريركية ايجاد حلول لتطوير المدرسة، وقد وردت الينا عروض مختلفة. واخيرا قدم عرض انكبّ البطريرك مع السينودس الدائم، بالاضافة الى المجلس الاقتصادي في البطريركية ونخبة من ابناء الطائفة في بيروت، على درسه بترو وموضوعية علمية. ولن يؤخذ اي قرار الا بعد الدراسة المستفيضة، واتباع الآلية التي تفرضها القوانين الكنسية”.
جويل رياشي / النهار