ليس تفصيلاً ان يتراجع العدد الإجمالي للتلامذة اللبنانيين في المدرسة الرسمية. فكل الوقائع تشير الى أن نسبتهم تضاءلت عما كانت عليه قبل عشر سنوات، حين كان التعليم الرسمي لا يزال يستقطب تلامذة من أبناء الطبقة المتوسطة ومن فئات محدودي الدخل. وللعلم، ما كان ينظر الى المدرسة الرسمية على أنها مكان للفقراء، بل مدرسة للبنانيين تستوعب الجميع، وتقدم تعليماً جيداً مع أساتذة تخرجوا من دور المعلمين ومن كلية التربية في الجامعة اللبنانية، للإبتدائي والمتوسط والثانوي. وحتى وقت قريب، كانت هذه المدرسة تنافس القطاع الخاص وتسجل نتائج مميزة في مستوى التعليم، وفي الامتحانات الرسمية، وترفع المنافسة الى مستوى التحدي، والأهم أن أساتذتها أدوا دوراً أيضاً في رفع مستوى الكثير من المدارس الخاصة.
كان هذا الإنجاز في العصر الذهبي، الذي استمر الى الأمس. لكن ما نشهده اليوم في واقع هذه المدرسة، يحتاج الى تقويم وإعادة هيكلة، لتأكيد ما إذا كان التعليم الرسمي من أولويات الدولة، أو أنه صار في مرتبة خلفية، على رغم كل الكلام الذي نسمعه عن دعمها وتأمين متطلباتها. فكيف لا نقتنع بكلام مدير في مناسبة تأهيل مدارس منطقته بتمويل من مؤسسة خاصة، عندما يقول أن 58 مدرسة وثانوية كانت تضم قبل عشر سنوات، 25 ألف تلميذ لبناني، بينما اليوم لا يتجاوز عددهم الـ 7000، علماً أن المنطقة التي يتحدث عنها المدير تضم أحزمة بؤس وفقر وأحياء معدمة، ليكشف أن عدد التلامذة السوريين اللاجئين يفوقون أعداد اللبنانيين بأضعاف. هذا يعني أن عامل الإقبال على المدرسة الرسمية، لا يقتصر على الفقر والحاجة، إنما الثقة بها هي الأساس، والإقتناع أن الدولة تريد تعليماً رسمياً على مستوى يذكر بعصر ذهبي مضى، لم يكن ممكناً لولا الجهود والنضالات التي قادها الأساتذة والأهالي لتعزيز هذا التعليم وانتشاره على مستوى لبنان.
يتحدث مديرو مدارس أيضاً عن أزمات كثيرة، وعن خلل في فتح مدارس لدوام بعد الظهر، وأيضاً تلك التي فتحت وينتظر تلامذتها في الملاعب لتأمين اساتذة المواد الأساسية، فيما بعض المدارس الأخرى يسجل فيها تلامذة تبين أن غالبيتهم من السوريين، فماذا ينتظر المعنيون ليبادروا الى حل المشكلات، قبل أن نصل الى مرحلة يصبح فيها القرار صعباً وربما مستحيلاً. لذا، لا نستطيع القول أن المدرسة الرسمية قد خرجت من أزمتها، وتجاوزت أيضاً مشكلاتها لمجرد أن نسمع كلاماً رسمياً تقرر فيه دعمها. والمهم، الإعتراف أن المدرسة الرسمية تعاني، وأساتذتها يتحملون الأعباء، وأن عدد التلامذة اللاجئين صار أكثر من اللبنانيين، وأن إنقاذها يحتاج الى سياسة شاملة وواضحة، تقوم على الرعاية وحفظ كرامة المعلمين، قبل أن نشهد انهيارها!
ابراهيم حيدر
النهار