نقلاً عن “الرأي” الأردنية بقلم محمد خروب
فيما تتواصل حملة الذبح وقطع الرؤوس وتهجير المسيحيين في العراق وسوريا مترافقة مع سبي نسائهم وبيعهن بالمزاد في سوق النخاسة والاغتصاب على يد الدولة الاسلامية وخليفتها المطلوب من المسلمين قبل المسيحيين, مبايعة الخليفة وطاعته دون معصية أو تشكيك, تبدو دول الغرب الاستعمارية التي «تدخلت» على نحو خجول وبعد ضغوط داخلية مكثفة (وليس بسبب استجداء القادة العرب او بدواعي النخوة او الانتصار لحقوق الانسان وتطبيق القانون الدولي, بخاصة بعد ما وقع من احداث اثر اجتياح داعش لجبل سنجار (دع عنك فاجعة مسيحيي الموصل) والجريمة التي ارتكبها بحق الايزيديين الذين اجبرهم على اللجوء الى الجبل وحرمانهم من الماء والطعام كي يموتوا جوعى وعطشى..
نقول تبدو دول الغرب الاستعماري وكأنها «حامية» للطوائف والاقليات المسيحية والعرقية التي تعيش في المنطقة العربية, تلك المنطقة الواقعة الان فريسة الارهابيين والتكفيريين ودُعاة «تطهير» البلاد الاسلامية (والعربية) من النصارى والعلمانيين والكفرة, الذين لا يستقيمون و»مسطرة» اسلام الخليفة ابو بكر البغدادي, ذلك الآتي «ايمانه» من المجهول والذي استطاع ان يجمع حوله كل اولئك القتلة, قاطعي الرؤوس وآكلي الاكباد وجلاّدي العصاة وراجمي الزانيات..
ما يستدعي التساؤل عن سر هذا التلاقي اللافت في الاهداف بين عواصم الغرب الاستعماري (لا تستثني هنا بعض عواصم العرب التي تلتقي معهما في التطرف والتشدد وتشجيع فوضى الفتاوى التي يتسابق في اطلاقها الجهلة والمُضللّون الذين يدعون الى «الجهاد» في سوريا والعراق ويصرفون انظارهم بقصد وسابق اصرار, عن فلسطين وشعبها المظلوم وقدس اقداس المسلمين (والمسيحيين ايضاً حتى لا ينسى احد) ونقصد مدينة القدس عروس العروبة المنتهكة والمغتصبة والمهوّدة..
يلتقي اذاً رئيس باهت بلا شعبية مصاب بهوس الحرب والحنين الى ماضي اجداده الاستعماري الاشتراكي الفرنسي فرانسوا هولاند مع ابو بكر البغدادي في العمل بلا كلل على «تنظيف» البلاد العربية, خصوصاً من المسيحيين والاقليات العرقية في «لفتة» تسامح مريبة, عندما يبدي استعداد فرنسا لاستقبال المسيحيين «العراقيين» كما فعلت الام الحنون فرنسا مع مسيحيي سوريا ومن قبلهم – خصوصاً – مسيحيي لبنان, في عز الحرب الاهلية التي لم تكن فرنسا بما هي الوصي والمُستَعمِر السابق بعيدة عن تأجيج أوارها وتشجيع الميليشيات الانعزالية (المسيحية) مصحوباً بالطبع بضمانات الحصول على تأشيرة اقامة في فرنسا اذا ما فشلت «ثورتهم» ضد الوجود الفلسطيني في لبنان وقتذاك.
لم يعد ما يجري الان في المنطقة بعيداً عن الخطاب الغربي الاستعماري بدايات موجة الاستعمار والغزوات, التي تسابق «الفرنجة» على القيام بها تحت شعارات ويافطات عديدة, ليس أقلها «إسلام» نابليون بونابرت عند محاولته اجتياح مصر ثم باقي الموجات التي تبعتها, وكانت احدى تجلياتها الاستشراق وثقافته المعروفة ولم تزد في اكثر نماذجها رداءة, تلك الطقوس التي مارسها المستعمرون البريطانيون في «لبس» الكوفية والعقال والدشداشة العربية, تلك الممارسات المنافقة التي سلبت «لبّ» وعقول العرب فكانوا اكثر ميلاً الى اهل الكتاب حتى لو رطنوا بلغات لا يفهمونها..
حملة اجتثاث المسيحية واهلها المستعرة الان في المنطقة يتحمل بعض وزرها العرب والمسلمون, الذين يصمتون عن جريمة كهذه ويتذرعون بأضعف الايمان, وبأنهم «اضعف» من اولئك الذين ينفذون حملة «التطهير والتنظيف» الديني ضد ملح الارض وسكانها الاصليين الذين لم يأتوا الى هذه البلاد فاتحين او غزاة أو مستعمرين, بل هم كانوا فيها عاشوا وماتوا على ارضها ولم تكن جريمتهم ان الاسلام ادركهم وان نبيّه الكريم خيّرهم فاختاروا البقاء على دينهم, بما هو دين سماوي يعترف الاسلام به وبرسوله عيسى بن مريم ولم يقل لهم أن اسلموا او تقطع رؤوسكم او يتم تهجيركم وسبي نسائكم..
لا تكفي حملات الشجب والادانة اللفظية والتضامن الفارغ من مضمونه, ليس لبلاد العرب ان تكون لشعوبها دول ومستقبل يليق بها بغير ابنائها من المسيحيين, اصحاب الفضل والشراكة في كل شيء بل ومنهم من تصدّر الكفاح والنضال من اجل فكرة العروبة لغة وتاريخاً وحضارة اسلامية, فيما كان بعض من يدّعون الاسلام يتعاونون مع المُستَعمِر الذي يريد شطب العروبة وإلحاق اهلها بمشروعه «التذويبي» المعروف.