نقلاً عن “الدستور” الأردنية
بحسب تقديم رضوان السيد لكتاب الوزير اللبناني طارق متري حول المسيحيين العرب والعلاقة مع الإسلام تتعاطى دراسات متري مع الحضور المسيحي العربي واشكالياته ومشكلاته في القرن العشرين مع إطلالات تاريخية عن تطورات حدثت في الماضي. والخيط الناظم لهذه الدراسات هو الإسلام الدنيوي والمسيحية المؤمنة معا، دون أن يكون للتطورات التي عاشتها المسيحية العربية في الزمن العثماني أي ثقل بحثي بالرغم من أن تولد الكثير من الأزمات كان في ظلال ذاك الزمن الممتد بين عامي 1516- 1918 وبعضها مسمتر وحتى اليوم وهو ما نشهده من صراع ونضال لاستعادة اليد العربية على الكنيسة الأرثوذكسية بدلاً من اليونانية التي اختطفت الكنيسة منذ العام 1534.
يسمي الأرثوذكس العرب هذا العصر والمقصود به الهيمنة اليونانية في الزمن العثماني على الكنيسة بـ»عصر الاختطاف»، مع التوقف عند حكم محمد علي باشا وولده إبراهيم في القرن التاسع عشر حيث حظي المسيحيون العرب وبخاصة في بلاد الشام، بنوع من الحظوة لدى الباشا وابنه، ويرى المؤرخ ميخائيل مشاقة أن ابراهيم باشا هو الذي رفع عن المسيحيين «أعناق الاستعباد والاضطهاد… «
حتى اليوم يميز المؤرخون في جبل لبنان بين عهد إبراهيم باشا وما كان سائدا قبله من اضطهاد واستعباد في حياة المسيحيين، حتى وصف لنا إبراهيم مشاقة حالهم وفصله ومما جاء فيه»… كانت أموال المسيحيين مطمعا للحاكم وغيره فلا يعدم من انتحال الأعذارلاستنزافها، فإن لم يكن بالخراج والجزية فالقروض والمطالبة ومن لم يدفع سجنه حتى يقتله وكثيرا ما قتل جماعة منهم خنقا أو شنقا لكونهم لم يدفعوا ما يطلب منهم…».
هذا التنكيل لم يسلم منه المسلمون أيضا مع ممثلي السلطة، فكان الصراع حاضرا وموجودا دوما وينتظر من يشعل فتيله، صحيح أنه كان على المسيحي أن يميز نفسه باللباس في العصر العثماني، لكن أيضا كان بوسع المسيحي أن يتحرك ويتاجر ويبيع ويشتري ويستثمر في أوقاف المسلم وكذلك الحال لليهودي في حلب أو دمشق، حتى جاءت احداث فتنة الستسن العام 1860 التي راح ضحيتها الكثير من المسيحيين. وهي مواجهة بين المسيحيين الموارنة من جهة والدروز والمسلمين من جهة، وقد بدأت بثورة فلاحية امتدت لدمشق وحوران وغيرها ووثقها محمد أبو السعود الحسيبي الدمشقي في مذكراته.
صورة المسيحي العربي اليوم وبخاصة الأرثوذكسي تظهر كمضطهد وهي صورة تكاد تكثر ورودا في كتب التاريخ العائدة إلى القرن التاسع عشر، وهي تحتاج إلى تدقيق، وذلك استنادا إلى ما تمدنا إياه مصادر الفتوى والفقه اليومي التي تعود لنفس المرحلة، والتي وثقت لعمليات بيع وشراء وحالات ايجار وهبة وإعارة وبيع متعدد الوجوه وإقراض مالي. بين المسلمين والمسيحيين واليهود وهو ما يطرح السؤال هل كل ما جاء في كتب التاريخ نهاية الإيجاز عن أحوال غير المسلمين العرب في الأزمنة الحديثة أم لا؟
في سياق هذا التقديم التاريخ تجب قراءة جهود طارق متري في كتابه الصادر عن دار النهار ومركز الدارسات المسيحية الإسلامية في جامعة البلمند، وهي دراسات تعاين المشهد المسيحي الإسلامي والعلاقة المستقبلية وتفتح نوافذ بالغة الحساسية في علاقة الطرفين وبالعالم خلال عقود القرن العشرين.
وبرغم هذا فمتري يتحدث عن جراحات التاريخ ( ص/19) ويحاول بداية استعراض الفكر المسيحي حول العلاقة بين الإسلام والمسلمين، وهو يقر بأن هذا الفكر لا يخلو من التعارض بين المسيحيين في تعدد مذاهبهم وداخل كل منهم، وهذه الملاحظة لا تخفي أن السجال الدائر بين الطرفين –الإسلام والمسيحية- دفاعا او دحضا قد انحسرت إلى حد كبير ومعها النظرة إلى العالم.
شهد القرن التاسع عشر تحولات بارزة في حياة المسيحيين العرب في بلاد الشام، وفي محصلة المشهد ساهمت النخب الأرثوذكسية في ما سمي بحركة النهضة العربية من منظورها الخاص الذي يؤلف بين الانتماء للشرق والانفتاح على الأفكار العصرية الوافدة من الغرب. ويظهر هذا الشعور بشكل جلي في دعمهم للحكومة العربية التي أعلنت عام1920في دمشق. وبعد هزيمة جيش فيصل في معركة ميسلون عانى المسيحيون صدمة الهزيمة والخذلان الغربي في دعم استقلال البلاد العربية لكنهم ساهموا بوعي في بناء الدولة العربية المعاصرة وقسم هاجر للغرب.