بقلوب ملؤها الحسرة والالم فقدنا الرمز الأنقى للتسامح والحوار المفتوح والمجتمع المدني والتكافل الاجتماعي، المطران غريغوار حداد، أو “مطران الفقراء”و”المطران الأحمر” كما لقب، تاركاً سيرة عطرة وذكرى طيبة وروحاً نقية، وعبق أريج نرجسة في ربى الروضة، وشذا شجرة برتقال يافية، وميراثاً من القيم والمثل النبيلة.
كان واحداً من المطارنة الذين وقّعوا وثيقة يتعهدون فيها ممارسة الفقر في حياتهم الشخصية، وكان قدوة ونموذجاً ومثلاً يحتذى في البساطة والوداعة والرقة والعطف والحنان وعمل الخير وسمو الاخلاق وطهارة النفس والروح ونقاء القلب والعفوية والتسامح. اعطى كل ما لديه بلا حدود، ودون كلل أو ملل، في مهنة ورسالة هي من أصعب المهن، وأهم الرسالات، رسالة اللاهوت، بكل ما تحمله في طياتها من المعاني، التي في صلبها بناء الانسان وبناء الوطن وبناء المجتمع.
فيا أيها الانسان الطيب، والمطران المخلص، ويا نبع العطاء والنهر المتدفق حباً لعملك وانسانيتك، يعز علينا فراقك، في وقت نحتاج فيه الى امثالك من الرجال الأوفياء الصادقين. ومهما كتبنا من كلمات رثاء، وسطرنا من حروف حزينة باكية، لن نوفيك حقك لما قدّمته من علم ووقت وجهد وتفانٍ في سبيل شباب ورجال المستقبل والغد في هذا الوطن، وعلمّتنا من أخلاق وقيم فاضلة، وغرست فينا حب التسامح والحوار البناء، ونميّت في اعماقنا قيم المحبة والخير والانتماء .
نم مرتاح البال والضمير، يامطراننا الحبيب، فقد أديت الامانة وقمت بدورك على أحسن وجه، والرجال الصادقون أمثالك لا يموتون. وما لي في وقفة الوداع سوى هذين البيتين من الشعر قالهما شاعر النيل حافظ ابرهيم في رثاء صديقه ومجايله أمير الشعراء احمد شوقي:
خلقت في الدنيا بياناً خالدًا
وتركت أجيالاً من الأبناء
وغدًا سيذكرك الزمان، ولم يزل
للدهر أنصاف وحسن جزاء
الدكتور الياس ميشال الشويري
النهار