في الرسالة العامة الثالثة للبابا فرنسيس، “Fratelli tutti”، يرتكز مفهوم “الأخوَّة” على أساس لاهوتي متين “يُشار إليه بوضوح وصراحة” و”تمَّ تطويره مع الإشارة إلى رسالات الابن والروح القدس، التي يتمُّ ذكرها في نواحٍ كثيرة في النص. وقد أيد ذلك اللاهوتي برونو فورتي، رئيس أساقفة كييتي فاستو، الذي وقع على مقدمة نسخة مشروحة من الرسالة العامة، نشرتها Scholé-Morcelliana. وفي مقابلة مع موقع فاتيكان نيوز وصف المطران برونو فورتي الرسالة العامة “Fratelli tutti” بأنها “ترجمة إنجيل المحبة لعالم الألفية الثالثة المعولم”.
قال المطران برونو فورتيه أمامي اعتراض غالبًا ما يتم توجيهه إلى تعليم البابا فرنسيس: أنّه تعليم اجتماعيّ، مُلزِم بقوّة، لكن جذورها اللاهوتية لا تظهر واضحة بشكل كافٍ. الآن أعتقد أن الرسالة العامة “Fratelli tutti” هي بالضبط إنكار واضح جدًا لهذه التحيُّزات، لأن الفكرة الرئيسية للأخوَّة في الرسالة العامة، والتي هي أساس المحبة الاجتماعيّة، والعدالة، داخل البلدان، وكذلك في العلاقات الدولية، هي فكرة متجذرة بوضوح في أساسها اللاهوتي. هي متجذر أولاً في صورة الآب السماوي، الذي نحن جميعًا أمامه إخوة، ثم في رسالة الابن، التي تجعلنا إخوة فيه كأبناء بالتبني، ثم في عمل الروح القدس. لذلك يبدو لي واضحًا جدًا أن البابا فرنسيس يعلن الإنجيل، وليس عقيدة اجتماعية، وإنما العواقب الاجتماعية لارتداد القلب إلى تلك الأخوة التي هي عطية الله التي منحها للبشر لكي يجعلهم قادرين على حب بعضهم البعض وقبول بعضهم البعض وبناء عالم أكثر عدالة للجميع.
تابع رئيس أساقفة كييتي فاستو يقول عند التأمّل بدقة في الفكرة السائدة لهذا النص، جاء إلى ذهني على الفور كتاب صغير للاهوتي كان شابًا آنذاك، جوزيف راتزينغر، نُشر في عام ١۹٦٠. كان الكتاب يحمل عنوان الأخوة المسيحية:” Die christliche Brüderlichkeit”. كتاب صغير لكنه كتاب ثمين لأنه يبرز كيف تختلف فكرة الأخوة في المسيحية عن مفهومين آخرين: المفهوم الدنيوي، والذي بموجبه تقوم الأخوة على حقوق متساوية فقط، أي على رؤية الثورة الفرنسية، ومن ناحية أخرى، المفهوم النخبوي ومفهوم المرجعيّة الذاتية المغلق والذي تم استدعاؤه في كثير من الأحيان كنوع من بديل للفساد العالمي. أما في الرؤية اللاهوتية المسيحية، ليست الأخوة أيًا من هاتين الرؤيتين، وإنما هي العطيّة التي مُنحت لنا من العُلى هي التي تجعلنا إخوة، المحبّة الاجتماعيّة التي تقوم عليها إمكانية بناء عالم أكثر عدالة للجميع. هذه هي المواضيع التي عاد إليها فرنسيس مطولاً، مسلطاً الضوء على جوانب مختلفة، في تطوير رسالته العامة.
تابع المطران برونو فورتيه مجيبًا على سؤال حول مخاوف البعض من أن تكون الأخلاق التي يطرحها البابا فرنسيس مع هذه الرسالة الاجتماعية قد فقدت جذورها وهويتها المسيحية، وقال ليس هذا هو الحال على الإطلاق، لأن الأساس الكامل لما يقترحه البابا فرنسيس في هذه الرسالة العامة هو لاهوتي وبالتحديد “ثالوثي”. لذلك، ليس صحيحًا أننا أمام رؤية دنيوية وحسب. صحيح إلى حدٍ ما أن هناك في الرسالة العامة “Fratelli tutti” العواقب الدنيوية لهذه الرؤية اللاهوتية العميقة ويتم التعبير عن هذه العواقب في فكرة قلب منفتح على العالم، عالم أكثر عدالة، حيث يتم تقدير كرامة الشخص البشري ووضعها في المحور، وعالم يقول لا لعقوبة الإعدام، التي يعتبرها البابا غير مقبولة، ويقول لا للحرب. لكن هذا كلّه بدءًا من العُلى، أود أن أقول، أي من الأساس اللاهوتي للإله الذي أرسل الابن والروح القدس بين الناس ليحققوا فيما بينهم الأخوة التي يتحدث عنها البابا فرنسيس والتي عواقبها هي العواقب الاجتماعية المشار إليها فير الرسالة العامة. كذلك، على سبيل المثال، رؤية السياسة التي طوَّرها في الفصل الخامس، رؤية السياسة التي يجب أن توضع في خدمة الخير العام الحقيقي، والتي ليست مجرد رؤية دنيوية. إن المواضيع الأساسية، على سبيل المثال، تلك المتعلقة بالعمل الذي يصر البابا فرنسيس عليه كثيرًا، وإنما أيضًا مواضيع العدالة والسلام، وإدانة أنظمة العالم غير العادلة، جميعها مواضيع تنيرها الجذور اللاهوتيّة التي استوحى منها الأب الأقدس. من وجهة النظر هذه، نجد أن هذه الرسالة العامة “Fratelli tutti” هي حقًا نص إنجيلي ومسيحي عميق.
أخبار الفاتيكان