خاص موقع imlebanon
لم يتعب المسيحيون يوماً على الرغم من قساوة الظروف وجور الأيام التي مرّت عليهم. لا بل خيارهم في المقاومة على مختلف وجوهها، وفي طليعتها المقاومة الفكرية، كرّستهم رواداً في مجال الثقافة والمعرفة والعلم ومواكبة كل تطور من أينما أتى.
بنى اجدادنا إرثاً فكرياً نضالياً، سياسياً وعسكرياً ودينياً ومقاومتياً، لم تعرفه أي جماعة في لبنان والعالم كلّه، ما جعلهم دائما وفي كل جيل عرضة لمحاولات الالغاء، حتى وصل بنا الأمر إلى السؤال البديهي الذي عرفناه دائماً، ما هو الدور الأساسي لمسحيي لبنان والمشرق، لكي تتحقق شهادتهم بالمسيح؟.
لطالما كان المسيحيون خدّام المحبة والشراكة والسلام، وممارسة الديمقراطية الحقّة، وما فترات الحرب التي شاركوا فيها إلا لأنها فرضت عليهم فرضاً، دخلوا فيها حفاظاً على وجودهم وحفاظا على المسيحية الحرة في لبنان والشرق.
هذا الإرث المتجذر في التاريخ، يتعرض في كل مرحلة لمحاولة الاندثار من قبل هذا وذاك من المتعطشين إلى إخراج المسيح من لبنان، من هنا، عقد في العام 2002 مؤتمر الأساقفة والبطاركة الكاثوليك تحت عنوان “الحفاظ على التراث المسيحي والثقافي”، وخرج بتوصية تشدد على وجوب معرفة التراث المسيحي والمحافظة عليه.
ومن هنا، انطلق الإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة– لبنان “أوسيب”، بتنظيم المعرض المسيحي للكتاب، الذي حجز له موعداً سنوياً في روزنامة المثقفين والعلمانيين ورجال الدين وأهل السياسة والمجتمع وعموم المواطنين.
هذه السنة، يفتتح المعرض أعماله الخميس 26 تشرين الثاني 2015، بهدف محدد، خلق وعي لدى اللبنانيين والمسيحيين خصوصا على أهمية التراث المسيحي.
وفي هذا السياق، تحدث الأب طوني خضرا لـIMLebanon، عن أهمية المعرض. فذكّر بداية بمدى ارتباط لبنان بالتراث المسيحي، وهو ما اظهرته عمليات التنقيب التي جرت في بيروت منذ سنين طويلة وأخيرا في سوليدير.
وحذر خضرا بأن هناك محاولات للتعتيم على هذا التراث، في محاولة لإلغائه، خصوصا أنه بات معلوما أن هناك اماكن مقدسة وكنائس في لبنان تحوّلت إلى معالم أخرى.
الفكرة الأهم بحسب الأب خضرا أنه في قلب هذا المجتمع المتعدد طائفياً وإتنياً، كل جماعة لا تحافظ على تراثها تندثر. وعدّد عاملين أساسيين للبقاء: عامل الديموغرافيا، وهذا يتطلب العمل لأن يستمر المسيحيون عددياً، والعامل الثاني، هو عامل المحافظة على حضارة المسيحيين وهويتهم.
انطلاقا من هذا المبدأ، يتم العمل سنوياً على إقامة هذا المعرض، خصوصا أنه المعرض الوحيد الثقافي والفكري الذي يحمل طابعاً مسيحياً، في ظل المعارض الأخرى “الطائفية”، منها ما هو مدعوم من السعودية مثل معرض “الكتاب العربي”، ومعرض “كتاب الضاحية” الذي تنظمه إيران.
إلا ان المفارقة، أن من رواد المعرض المسيحي العديد من رجالات الفكر الاسلاميين الذي يهمهم التعرف على التراث والفكر المسيحي.
ومن الأشخاص الذي زاروا معرض الكتاب المسيحي في السابق الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي، تقديرا وللتعرف على الثقافة المسيحية. ولذلك، فإن المعرض يضيء على عناوين فكرية ووطنية عدة.
يشكل المعرض المسيحي مساحة حوارية وثقافية بين العديد من دور النشر المسيحية، ومن يعملون في مجال الطباعة.
ويتضمن واحات موسيقية، ندوات، طاولات حوار، مواضيع للنقاش (رأي الكنيسة في الاعلام، بطلان الزواج وتوصية قداسة البابا في هذا الإطار) التعرف على نادي العلوم، فرص عمل للشباب، مواضيع تهم الاعلاميين العاطلين عن العمل وكيفية تأمين فرص عمل لهم. كما ستعقد محاضرات تنشئة للاعلاميين وتدريبهم على الانترنت وغيره.
كما يتضمن العديد من الأشغال، منها ما يعلم كيفية الحفاظ على التراث المسيحي، وفي هذا الإطار، أشار الأب طوني خضرا إلى أن المعارض السابقة ساهمت في تنشيط الشباب والكنيسة في إعادة ترميم العديد من الأيقونات التي تم الحصول عليها.
كما يتضمن مسابقات بالرسم للطلاب، أجمل مسرحية، مسابقة لتأليف أجمل قطعة موسيقية، مباراة في الغناء.
هذا وسيتم تكريم بعض وسائل الاعلام التي تحتفل بيوبيلها الفضي أو الذهبي، إضافة إلى منظمة الأمم المتحدة الذي مرّ على إنشائها 70 عاماً.
نحاول في المعرض لمس هموم المواطنين والإجابة على كل أسئلتهم ومعاناتهم، كما قال الأب خضرا، الذي أشار إلى أن هناك العديد من المواطنين الذين كانوا يزورون المعرض في السابق حصلوا على مهن معينة لم يطّلعوا عليها سابقاً. فاليوم هناك العديد من الشباب باتوا يمتلكون مشاغل تختص بترميم الأيقونات، إضافة إلى آخرين باتوا يهتمون بمهنة “النحت”.
المعرض لا يتوجه إلى فئة مخصصة من المواطنين، بل هو للجميع، خصوصا ان الدخول على المعرض مجاني والمشاركة في الندوات والنشاطات، باستثناء شراء الكتب. كما ان هناك من ينتظرون موعد المعرض سنوياً، خصوصا الاكليريكيون، الذي يواكبون كل الإصدارات الجديدة على مستوى الدين والمجتمع والإنسان وغيره.
المعرض باختصار، هدفه الحفاظ على التراث المسيحي، وتعريف المجتمع اللبناني والعربي على هذا التراث وأهميته للمحافظة عليه. وهو يقف عند هموم المواطنين وأسئلتهم من كل القضايا التي تصادفهم يومياً، إضافة إلى وجهه الثقافي ودوره في الإضاءة على العمل الاعلامي والصحافي في لبنان وتحدياته.
المعرض الذي سيكون برعاية البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، تصل كلفته إلى 270 ألف دولار. بينما مدخول المعرض لا يتعدى الـ45000 دولار. وهذا عمل استثنائي جداً.
وهنا نوّه خضرا بالدور الكبير للعلمانيين الذين لهم الفضل الكبير في نجاح المعرض ومؤسسة “لابورا”، التي يعمل القيّمون عليها ليل نهار، ومن دون تعب، في سبيل إيصال الرسالة.
وانطلاقاً ممّا تقدّم، تبقى الوصية لكل اللبنانيين والمسيحيين خصوصاً المشاركة والحضور الكثيف في المعرض أولاً، وثانياً، الصلاة ثم الصلاة ثم الصلاة لمؤسسة “لابورا” كي تستمر في معاركها في حماية الوجود المسيحي والحفاظ على التراث المسيحي، لكي يبقى المسيح موجوداً في لبنان.
للاطلاع على روزنامة نشاطات المعرض المسيحي 2015 إضغط هنا