تضحيات المعلّم الكثيرة وإهتمامه الدائم بالتلاميذ يمكّناه من تلقينهم الدروس على أكمل وجه في المدرسة. التعليم مهنة أساسية لتقدُّم المجتمع وإزدهاره، والدور الذي يلعبه الأستاذ في صفّه أساسي، وبناءً عليه مُنح الكثير من الألقاب ومنها: المربي الصالح، أو حامل الرسالة الشريفة، أو المعلم الدؤوب أو ناقل المعرفة أو الملقِّن.المعلم كغيره من الأشخاص، يفرح ويحزن ويقلق، ويشعر بالضغط خصوصاً عند الرجوع إلى المدرسة. فما هو دور الأستاذ في صفه؟ وكيف يمكنه مساعدة تلامذة مدرسته وتوجيههم؟ وهل حقاً يشعر الأستاذ بقلق الرجوع إلى المدرسة على غرار التلامذة؟
خلال هذا الأسبوع، تفتح جميع المدارس أبوابها لإستقبال المعلمين والتلامذة والإداريين. طبعاً يلعب أهالي التلامذة دوراً أساسياً في المتابعة الدراسية لأطفالهم، ولكنّ المعلم بدوره يشكّل قدوةً ودعامةً أساسية من دعامات الحضارة. فالأستاذ هو صانع الأجيال، وناشر العلم، ورائد الفكر، ومؤسس النهضة، وباني المستقبل.
المعلّم ودوره النفسي
لا يقتصر دور الأستاذ على نقل المعلومات من الكتاب إلى عقول التلامذة، ولا يمكن حصر رسالته بتلقين التلامذة المواد الدراسية، بل إنّ دور المعلم أكبر بكثير. هو المسؤول المباشر عن تأديب التلامذة خصوصاً في المراحل الأولى من الدراسة بمساعدة الأهل في المنزل. التربية السليمة والصحيحة تبدأ في البيت مع الوالد والوالدة وتتابع في الصف مع المربّي.
ولكن للأسف، في بعض المدارس، يقتصر دورُ المعلم فقط على تلقين التلامذة المواد العلمية والأدبية، من دون أن يسمحوا له أن يكون قدوةً صالحة في تنشِئتهم السليمة.
فالتربية في المدرسة لإعداد مواطن صالح يعرف مسؤولياته وواجباته، لا يمكن أن تكون سليمة من دون التكامل الوجداني والتربوي والعلائقي والروحي ما بين التلميذ وأستاذه.
ومن أهم أدوار المعلم:
أولاً، يؤدّي المربّي دورَ المُعالج للأمور الشخصية والعائلية التي يمكن أن يتعرّض لها التلميذ. في هذا الخصوص، عادةً ما يطلب المربّي رأيَ الاختصاصي النفسي المدرسي ويتعاونان مع بعضهما لمعالجة المشكلة التي تعترض التلميذ. ويلجأ تلامذة كثر إلى أساتذتهم خلال فترات القلق والخوف والأيام العصيبة ويطلبون منهم المساعدة والمساندة.
ثانياً، يلعب المدرّس في صفه دورَ المرشد للتصرفات الصحيحة والمقبولة إجتماعياً. فالأستاذ هو المشجّع الأول للتلامذة وهو مثالهم الأعلى. كما يعلّم الإنضباط والأخلاق الحميدة وقبول الآخر بلا شروط من خلال الموضوعات التي يمكن أن يطرحها في الصف ويتشارك مع التلامذة حولها.
ثالثاً، للمعلم دور أساسي هو مراقبة التلامذة وتطوّرهم العلمي والإجتماعي على حدّ سواء. هو الملاحظ الأول لأيّ خلل أو إضطراب يمكن أن يصيب التلميذ خلال نموّه الإجتماعي والنفسي. كما يعمل المربّي على تطوير الحياة الإجتماعية في صفه وخلال حصصه.
والمربّي الصالح كالأب، لا يمكنه التمييز بين طلابه ويجد في شخصية كل واحد منهم النقاط الإيجابية ويساعدهم على تحويل تصرّفاتهم السلبية إلى إيجابية وعلى معالجة المشكلات السلوكية بكثير من الهدوء والرصانة والمنطق والموضوعية.
رابعاً، الأستاذ هو صلة الوصل ما بين التلميذ وأهله وما بين التلميذ وإدارة المدرسة. فالأستاذ هو الشخص الأول الذي يستمع إلى مخاوف التلامذة وهو أول مَن ينقل هذه الهواجس إلى الإدارة التي يجب أن تتّخذ الإجراءات اللازمة. كما يمكن أن يطلب إجتماعات عديدة مع أهل التلميذ الذي يمرّ بمشكلات فردية أو عائلية، ويتّبع مع الأهل خطوات تخفّف من حدّة المواقف المؤلمة التي تكون مصدر قلق عند التلميذ.
أمّا بالنسبة للتلامذة الذين يعانون من التأخّر في بعض المواد، فيخصّص المعلم وقتاً إضافياً لمساعدة هذا الطفل تربوياً. ويكون العلاج عادةً بشكل فردي وبمساعدة الاختصاصي النفسي في المدرسة ومدير المدرسة.
قلقُ الرجوع
المعلّم، كتلميذ المدرسة، عندما تُشارف عطلة فصل الصيف على الانتهاء، يشعر بالقلق والخوف والإرتباك لأنه سيعود إلى صفوفه ليلتزم بدوام يومي، تاركاً وراءه حرّية موسم العطلة.
وعلى رغم الثبات والنظام اللذين سيدخلان إلى حياته إلّا أنّ الأستاذ يعاني من ضغط التحضيرات اليومية، وضجّة التلامذة المتحمّسين للرجوع إلى مقاعدهم، والمسؤوليات الكثيرة التي تترتّب عليه خصوصاً إذا كان متزوِّجاً. أمام هذا الضغط الكبير في المدرسة وفي بيته، يظهر القلق على الأستاذ وضيق الصدر والاضطرابات النفس جسدية التي تعيق إنتاجه الفكري والتربوي.
تساعده النشاطات الرياضية في تخفيف أيّ ضغط نفسي، كما يُخفّف سماع الموسيقى الهادئة، من ضغط ضجّة التلامذة. أيضاً، التفكير الإيجابي والتنظيم في العمل والجوّ الهادئ في بيت المربّي المتزوّج، كما الزملاء في المدرسة والإدارة المنفتحة والإيجابية… كلّها عوامل تؤدّي دوراً إيجابياً في تخفيف الضغط النفسي والتوتّر والتشنّج عند المعلم.
وطبعاً تُعتبر الواجبات المنزلية خصوصاً عند المعلمة المتزوجة مسؤولية تُضاف على مسؤولياتها التعليمية. ومن المهم أن تعي المعلمة بأن لديها واجبات تجاه أولادها وزوجها ومنزلها. لذا التنظيم وطلب المساعدة من الزوج ومن الأولاد وتقسيم المسؤوليات على كل أفراد العائلة يساعد على تخفيف القلق والتشنّج عنها. فمهنةُ التعليم تتطلّب مجهوداً جسدياً ونفسياً، لذا مساعدة الزوج والأطفال أساسية للمعلمة المتزوجة.
وأخيراً، لإدارة المدرسة دور أساسي ومتكامل مع الأستاذ الذي «يخدم» و»يلقّن» التلامذة بكل مودّة وإحترام. وبالتالي يجب على الإدارة أن تؤمّن راحة البال للأستاذ من خلال دعمه معنوياً ومادياً.
د.انطوان الشرتوني
الجمهورية