الطموح الى ما هو اعلى وارفع، هو مسألة شرعية لكل انسان، فمن حقك ان تكون في المراتب الاولى، شرط ان لا يكون هذا على اكتاف الاخرين.. كلنا نطمح ان نكون في الاعلى او في ارفع المراتب، ولكن على كل واحد منا ان يعرف حجمه ومستواه، فليس كل مكان يناسبنا، فربما المكان الذي انا فيه، يناسب، غيري، لهذا علي ان اكون منتبه، هل استحق هذا المكان ام لا؟. الوصول الى ما هو اعلى، هو رغبة الانسان لتأكيد اهميته وحضوره في حياة الاخرين، ولا بأس… من الجميل ان تسمع من الناس جملة: انت مهم في حياتنا… تشعر انك بالفعل مهم ومفيد…
ولكن في الحقيقة يا إخوتي: الاجمل هو ان تقول للناس: إنكم مهمون في حياتي، لانني لست بشيء إن لم تكونوا أنتم بجانبي، فانتم من يجعلني اشعر بالوجود…. بهذا تتاكد لنا مسألة مهمة، فان تكون مهما، فهذا ليس بامتياز، ولكنه مسؤولية مضاعفة… فالمهم ليس ذاك الذي يجلس مرتاحاً، بل من يعمل ويقلق في سبيل ان يكون الآخرين على ما يرام ومرتاحين…. فالأب في العائلة مهم، ليس لأنه الاكبر، بل لأنه يقلق ويشعر ويحب عائلته ويهتم بها، لهذا هو مهم، والام كذلك أيضاً…. ان تكون مهما شيء جميل، ولكن القبيح في المسألة هو عند وقوفنا عند مسألة الاهمية فقط، وكان الشعور بالأهمية هو الهدف… فليس المهم في الحياة ان تكون مهما او ذو مكاناً، بل كيف تحافظ على هذه الأهمية كخدمة لحياة الآخرين.. أؤكد على نقطة، ما أقصده بالشعور بالاهمية هو الشعور بانني ذو مكانة، او انني اريد ان أكون ذو شأن، وكان الشعور بالاهمية والمكانة هو الهدف…
يسوع يعرف فكر العالم، الذي يدعو الانسان إلى الحصول على المراكز الاولى للسلطة، والى اعتبار السلطة هدف، وان يكون الانسان اول الستفيدين وإن على حساب الاخرين، منطق العالم الذي يحول الهدف إلى وسيلة ويجعل الوسيلة هدف، كما نرى في انجيل اليوم: ان أكون فوق الكل ومتسلطاً على الكل، هو الهدف…
يرى يسوع ان المدعوون يحاولون ان ينالوا المقاعد الاولى، لسبب واحد، دائما في المكان الاول يجلس الشخص المهم والذي على شرفه تقام الدعوة…. وكأن الناس عندما يريدون ان يجلسوا في المقاعد الاولى يحاولون ان يطبقوا شيئين:
أن يكونوا في المقدمة، وهذا يجعلهم يشعرون بالأهمية والافتخار، وكان المكان هو الذي يجعل الانسان مهماً…
هم لا أهمية لهم، ولا قيمة لهم ولهذا يحاولون ان يقتربوا ممن له شأن بحسب الطبقات الاجتماعية ليكون لهم قيمة..
يسوع من هذ المنطلق، لا يريد من الانسان ان يعيش بهذه طريقة، لأنك مميز ومهم، لسبب واحد، لأن الله خلق هكذا ويراك هكذا… التميز والشعور بالأهمية عند يسوع لا يأتي في الركض نحو المراكز الاولى، أبداً، بل قيمة الإنسان تكمن في تواضعه الذي يجعله يكون مثل معلمه وإلهه الذي تواضع من اجل الإنسان، الذي لم يبحث عن منصب او قيمة إنسانية عالمية وما جاء ليُخدَم بل ليَخدُم (إذا دعيت، فاجلس في آخر مقعد، حتى جاء الذي دعاك يقول لك: يا صديقي، تقدم إلى اعلى، حينئذ يعظم شانك في عين الجالسين معك” (لوقا ١٤: ١٠)..
نحن مدعوون لنعطي لكل شيء قيمة ومكانة… فليس المنصب أو المكانة من يعطي قيمة للإنسان، بل الانسان هو من يعطي قيمة للمكانة والمنصب… يسوع يعلمنا اليوم درسا مهما جداً… فبقدر ما تكون متواضعاً، بقدر ما تزداد اهمية… لنصلي ودعو للرب لينتشلنا من الانانية، ويساعدنا على ان نشعر بالأخرين لنعطيهم وجودا حقيقيا في حياتنا، فنكون معا علاقات تجسد حضور يسوع، ليعطينا النعمة لنكون على مثاله، نعيش التواضع من أعماق قلبونا ليكون هو مبدئنا، عند ذاك يكون سلوكنا، حفاظاً على عالم حسن جداً… آمين
زينيت