قلت سألحق وأكتب في العدد الأخير من «السفير الثقافي». قلت سأضع اسمي لمرّة واحدة في هذا التاريخ الثقافي الذي سيقفل بهذا العدد صفحاته الأخيرة. وكم هي حزينة هذه «الأخيرة» وتأتي في وقت صار الموت يحيط حياتنا من كل الجهات وننهض كل صباح على خبر وفاة أحبّة وأصدقاء.
هكذا يبدو «السفير الثقافي» صديقاً وواحداً من الناس الذين تجاوزوا فكرة الورق ليبدو كائناً من لحم ودم وصداقة توزعت بين أكثر من صحافي ارتبطت بهم على نحو شخصي في محبّة خالصة ولقاءات دائمة وسهرات ولقمة مشتركة وكاس.
ولو استعدت خطوات الطريق لكمشت عدداً طويلاً من السنوات حيث صباح الجمعة والموعد الثابت معه. حين كنّا في صنعاء نتسابق على طباعة «الثقافي» ورقياً وطرح ما جاء فيه على مادة نقاش لم تنقطع لسنوات. كأن «السفير» وملحقه جريدة محلّية مثلها مثل أي جريدة يمنية مع اختلاف مستوى المضمون بطبيعة الحال. وتداول الأسماء التي كانت تداوم على النشر هناك ترك لنا مساحة ممكنة لعقد صداقات حقيقية ستتأخر قليلاً بحكم المسافات الفاصلة جغرافياً وما إن تزول أو تتقارب حتى تصير صداقات فعلية ولقاءات ونقاشات لا تنتهي حول ما يظهر في «الثقافي» انتقالاً لما يجري خارجه في الحياة الثقافية. ولا يمكن هنا تجاهل نقطة أكيدة امتاز بها هذا الإصدار في ما يخص حالة الانفتاح التي فعلها تجاه كل قادم أدبي وثقافي من اليمن المُهمَل والبعيد عن دائرة الاهتمام. كثيرة هي الأسماء اليمنية الشابّة التي وجدت هنا مجالاً لقول صوتها الخاص وقد عانت من التجاهل والإقصاء لأسباب كثيرة لعل أهمها التكريس المناطقي والمذهبي كما والمال السعودي الذي كان متحكماً في آليات النشر ودعم توجهات معظم الجرائد ووالوسائط الثقافية في العالم العربي.
من هنا ولأشياء أخرى وجد وأوجد «السفير الثقافي» لنفسه مكاناً في قلب مثقف وقارئ يمني عثر عبره على ذلك الصدى الذي كان يتمناه لكل حرف يقوم بكتابته وتدوينه. إلى هذا كان أمراً لافتاً تجريه غالبية الجرائد المحلية وفي زواياها الثقافية الخاصة والأقسام المهتمة بهذا الشأن عبر إعادة نشر ما كان «الثقافي» يقوم بنشره. أعترف هنا على نحو شخصي بقيامي بتلك الإعادة على نحو ثابت في الجرائد التي قمت بالإشراف على أقسامها الثقافية. ليس إعادة نشر فقط لكل مادة تخص اليمن وأدباء اليمن بل إعادة نشر لمواد ثقافية أُخرى تخص أدباء من بلاد عربية أخرى كان أصحابها مثلنا يعانون التهميش والإقصاء وعدم الالتفات إليهم. وكان هذا الأمر غالباً ما يُسبب حنقاً لدى البعض ممن كانوا يرون في إعادة النشر تجاوزاً لمادة يمنية أحق بالنشر من غيرها. مسألة لم يكن فهمها سهلاً من قبل أسماء ظهر عجزها واضحاً في تفهم حقيقة الحرمان الذي يحيط بقارئ يمني مرمي في أقصى الأرض ولا يجد منفذا كي يرى من خلاله لأسماء يصعب الوصول إليها خصوصاً مع حرمان الكثيرين من خدمة التواصل الالكتروني وفضاء الانترنت. بمعنى أن هذه الجرائد المحلية كانت تأخذ على عاتقها مهمّة إعادة توصيل مادة ثقافية محترمة منقولة عبر وسيط «السفير الثقافي». وهي مسألة لم نكن نجهد في تبريرها طويلاً ولم نكن نذهب بعيداً في الخوض مع أصحابها وذلك لسبب بسيط وكبير في آن: فما دامت إعادة النشر مسموحة وشرعية مع ذكر مصدر النشر الأصلي لا يكون هناك من سبب للتذمر، وثانياً يبقى الذهاب في إعادة التعريف بأسماء غير معروفة سبيلاً لتجاوز حالة الإقصاء التي كان يعاني منها الأديب اليمني نفسه. فلماذا الشكوى!
وفي الأخير، (والأخير مفردة صعبة وقاسية) لا أنسى تلك المرة التي كلّما ذكرتها مع اسكندر حين طُلب مني، قبل ست سنوات تقريباً وأنا في بيروت نضحك معاً، طلب الكتابة في ملف عن «الربيع العربي» في ما يخص اليمن. فوافقت. كانت ستكون المرة الأولى التي سأكتب فيها لـ«السفير الثقافي». لكن تأخرت كثيراً في إنجاز المادة وحين انتهيت بعثتها لـ «إيميل» الجريدة الذي لا يفتحه أحد. وصدر الملحق ولم تُنشر كتابتي بطبيعة الحال.
وها أنا اليوم أكتب مقالتي الأولى في قلب العدد الأخير.
(كاتب من اليمن)
السفير