هذه التغطيات للأمور البسيطة تؤكّد الموقع الذي تحتلّه الجامعة اللبنانية في ضمير اللبنانيين والنخب الإعلامية، وتعبّر عن الحرص الكبير عليها كي تبقى صرحاً تربويّاً رئيسيّاً في لبنان والعالم العربي، بالنظر إلى ما تقدّمه من فرص الترقّي لمختلف الطبقات الشعبية، لا سيما مع الكلفة الباهظة للتعليم العالي الخاص وانحدار بعضه الى أهداف الربح المادي على حساب المستوى.
فالجامعة اللبنانية خرّجت حتى الآن أكثر من 300 ألف طالب منذ تأسيسها في منتصف القرن الماضي، مع ما يعني ذلك من تأهيل طاقات وخبرات وطنية في مختلف الميادين، وضخّ آلاف المتخصّصين في أسواق العمل العربية والعالمية، يشكّلون اليوم أحد مصادر الدخل القومي الأولى.
هذا الموقع المميّز للجامعة اللبنانية يجعل الأنظار شاخصة اليها، ويكثر الغيارى الذين يودّون الدفاع عنها واللفت إلى الشوائب التي تعتريها، وإن أساؤوا في بعض المرّات إلى صورتها من دون أن يهدفوا إلى ذلك.
فهل مشادّة بين طلّاب تمّت معالجتها بإنزال عقاب شديد بالطالب المعتدي، أو تزوير شهادة فتحت إدارة الكليّة تحقيقاً فيه قبل أن يتناوله الإعلام، هي أمور يستحقّ أن نتناولها والاضاءة عليها في وقت تتطلّع فيه الجامعة الى دعمها إعلاميّاً في قضايا أساسية تحتاجها في مسيرتها الأكاديمية والإدارية؟
يمكن للأقلام المحبّة للجامعة والغيورة عليها الاضاءة على ملفّات تشكّل معاناة حقيقية، وأهمّها الأبنية الجامعية التي تحتضن الطلّاب. فباستثناء المدينة الجامعية في الحدث، فإنّ غالبية الأبنية هي شقق سكنية تمّ تحويلها إلى صفوف لا تليق بالطلّاب. هذا مع العلم أنّ الجامعة تدفع سنويّاً مبلغاً يوازي 20 مليار ليرة بدل ايجارات هذه المباني.
إنّ من شأن هذا المبلغ أن يشيّد كلّ عام مبنى لإحدى الكليّات، لا سيما أنّ الأراضي متوافرة لذلك، وفي بعض المرّات الأموال المرصودة أيضاً. غير أنّ القرار السياسي لمثل هذا المشروع غائب على رغم أنّ مجلس الوزراء سبق أن أقرّ مبدأ تشييد 5 مجمّعات جامعية في المناطق. من هنا الحاجة الى الضغط في هذا الاتجاه حفاظاً على المال العام وتطويراً للجامعة.
ملف آخر يخنق الجامعة وهو نزع استقلاليتها، بحيث أنّ أي توظيف فيها يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء، وهذا ما أدّى إلى فراغات كبيرة في جهازها الإداري يتمّ تعبئته بمتعاقدين يعانون ظروف عمل غير مقبولة، اذ انّ بعضهم ينتظر عامين قبل أن يقبض راتبه الأول كما أنهم محرومون من أيّ ضمانات اجتماعية وصحيّة.
إنّ الجامعة اللبنانية بطلّابها السبعين ألفاً وفروعها في مختلف المناطق التي تقارب الخمسين فرعاً، تستحقّ حكماً مواكبة إعلامية عن قرب، لكنّها تحتاج أيضاً إلى مساهمات معمّقة وبنيوية من أجل تطوير هيكليتها البشرية والإدارية والتجهيزية.