ناتالي إقليموس / جريدة الجمهورية
وسط استمرار رفض تعيين مدير مسيحي لكلّية إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية، شمالاً، صدر قرار تعيين 105 محاسبين في التعليم المهني، بينهم 8 مسيحيين فقط، ليضربَ صيغة العيش المشترك، ويعمّق الخَلل في التوازن الطائفي داخل المؤسسات الرسميّة عموماً والتربوية خصوصاً.
أساس المشكلة
تعود جذور هذا الخَلل الطائفي الوظيفي إلى ما قبلَ إجراء مباراة تعيين محاسبين، والتي تقَدَّم إليها 1645 مرشّحاً، بينهم 234 مسيحياً و1411 مسلِماً، وفق إحصاءات «لابورا»، وقد نجَح منهم 220 مرشّحاً، 22 مسيحياً و198 مسلِماً. قد يَعتبر البعض أنّ المسؤولية تقع على المسيحيين الذين لم يتقدّموا بكثافة… والحقيقية؟
«المؤسف أنّ أيّ نتائج لامتحانات غير متوازنة تُعمَّم بسرعة، أمّا إذا لامسَت التوازن المطلوب والطبيعي، فتنصَبّ جهود بعضِهم لعرقلتِها، أو إلغائها». على حدّ تعبير رئيس مؤسسة لابورا الأب طوني خضره، الذي أوضَح لـ«الجمهورية» أنّ «الآليّة السليمة للامتحانات تبدأ من تقديم الطلب، إلى فرز النتائج والتوظيف»، معرِباً عن استغرابه بـ«قبول الوزراء تمريرَ مرسوم لا يحفظ الحدّ الأدنى من التوازن الطائفي».
ويضيف: «صحيح أنّ مجلس الخدمة المدنية ينظر إلى المرشحين من منظار واحد، ولا يميّز بين مواطن وآخر، ولكن هل يتجرّأ السياسيون ويتحمّلون تداعيات هذا الخَلل؟
ويَعتبر خضره أنّ «المراسيم الخاصة بالامتحانات لا بدّ أن تُرفَقَ بمادة من الدستور (95) تؤكّد «على أن لا يتناقض ذلك مع مقتضيات الوفاق الوطني، ما يضمن مراعاة التوازن بين أبناء الوطن الواحد».
وفي وقتٍ ظهّرَت التعيينات في المهني الحضورَ المسيحي الخجول في الدولة، يُحَذّر خضره من أنّ «الإجحافَ سينكشف تباعاً، والخَللَ سيبرز بعد توزيع البقية من الناجحين في مختلف إدارات الدولة، وقد لا يقتصر على هذا الفرق (8 مسيحيّين من أصل 105)».
الحلول
كيف يمكن المحافظة على التوازن؟ يجيب خضره: «إذا أردنا ضمانَ التوازن، لا بدّ من إعادة النظر في الآليّة المتّبَعة، والجَمع بين الكفاءَة والتوازن». ويضيف: «زرنا أبرزَ المسؤولين في البلد، وطرحنا موضوع التوازن جدّياً إنطلاقاً من المادة 95، على طاولة الحوار اللبناني.
وتمَنّينا ضمان التوازن في كلّ ما له علاقة بالدولة، من الفئة الثانية وما دون، خصوصاً وأنّ الفئة الأولى تضمنها المناصَفة. ويمكن الإعداد لمؤتمر وطني، لضمان أقلّ مستوى من التوازن لكلّ طائفة وفقَ حجمِها».
ويستشهد خضره بحديثه مع رئيس الحكومة تمّام سلام: «خلال لقاء سلام وفداً من لابورا، قال لي: إذا ضمنَ اتّفاق «الطائف» المناصفة في الفئة الأولى، أقترح كرئيس حكومة أن تنسحب هذه الروحية على كل الوظائف حتى الفئة الرابعة». ويلفت خضره إلى أنّ «لابورا» سَبق أن قدّمت مشروعاً للمعنيّين، تضَمَّنَ دراسةً قانونية، تحمل تعديلات يمكن تطبيقها في امتحانات مجلس الخدمة المدنية».
المستوى المسيحي
على صعيد البيت المسيحي، وفي ظلّ غياب رئيس الجمهورية، يقترح خضره تحديد «مرجعية مسيحية واحدة تتعاطى في موضوع الحضور الوظيفي في الدولة انطلاقاً من حقوق المسيحيين، وليس من خلال مصالح المذاهب»، مشيراً إلى أنّ «لابورا بما تملك من أرقام وداتا جَمعهتا خلال سنوات طويلة، على استعداد لوَضعِها في خدمة تلك الجهة الروحية للمساعدة في الرصد والتدريب، وتعزيز الحضور المسيحي في مختلف قطاعات الدولة».
ضياع المسؤولية
في وقتٍ ترفَع المرجعيات المسيحية الصوتَ عالياً لنَقضِ كلّ مرسوم أو قرار أو توظيفات مجحِفة في حقّ الشباب المسيحي، تضيع المسؤولية ويتبرّأ المعنيّون من القرارات. وفي السياق، يؤكّد مدير عام التعليم المهني والتقني أحمد دياب لـ«الجمهورية» أنّ «ما قمتُ به أمرٌ روتينيّ، فقد تبلّغتُ المرسوم وعملتُ وفقَ الأصول».
ويوضِح أنّه ليس «المرجعَ الصالح للتعيين، فأنا لم أعيّن أحداً، رفعتُ عددَ الشواغر إلى مجلس الخدمة المدنية، وهو الذي أجرى المباراة على أساس الشواغر في الدولة، خصوصاً أنّه لا يأخذ رأيَنا في التعيين، بل نتبَلّغ النتائج فقط».
وفي المحَصّلة، فإنّ المسؤولية لا تقع فقط على المؤسسات الدينية المسيحية، أو الشباب الذين يفتقدون لأيّة واسطة، بل على العلمانيين المسيحيين والأحزاب والوزراء والنواب كافّةً، لأنّ بعض القرارات تمرّ في الحكومة والبرلمان ولا يُقدّرون خطورتَها، فتَعلمُ بها الكنيسة ومؤسساتها لاحقاً، فتحاوِل تصحيح الإعوجاج، ولكن يكون الأوان قد فات.