“باحكي أربي بالانكليزي. باحكي أربي شوي. انا خلقان هون وتعلمت الأربي من السمأ (السمع)”. هكذا يتحدٰث طوني آشر العربية. انه مسنّ ولد في كليفلاند وعرف لبنان من خلال كنيسته المارونية التي ورث الانتماء اليها من والديه واجداده. والد طوني آشر ولد في خربة قنافار في البقاع الغربي في لبنان، وجدّاه جاءا به الى كليفلاند في عمر السنة.
يقول آشر إن والدته ولدت في كليفلاند، وأمها (أي جدته) لم تكن تعرف الإنكليزية، ومنها تعلّم العربية”.
طوني آشر ملتزم كنيسته ورعيتها، وعندما تسأله: ماذا يعني لك لبنان؟ يقول فرحاً: “انا بتهب (بحب) لبنان انا بتهب كل شي من لبنان، الفكر، الطائفة، الايمان، العيلة…”
هو احد النماذج عن جالية مارونية قديمة في كليفلاند. وفي مقلبها الآخر الحديث، نموذج عن جيل جديد حمل معه كل تناقضات الحرب، وجعل من هذه المدينة في ولاية اوهايو صورة حيّة عن لبنان بحاضره السياسي وانقساماته الطائفية والحزبية .
وفق المعطيات الميدانية، تعتبر “القوات اللبنانية” الكتلة السياسية الأكبر والاكثر تنظيماً وفاعلية في كليفلاند، يليها الحزب السوري القومي الاجتماعي من حيث التنظيم، وثمة وجود واسع ايضاً لـ”التيار الوطني الحر” وللكتائب ولكنهما يعانيان ضعضعة في الهيكلية التنظيمية.
وعندما يسأل كاهن رعية مار مارون في كليفلاند الاب بيتر كرم الذي رفّع الى رتبة مونسنيور في الزيارة الاخيرة للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، عن ابناء رعيته، يتحدٰث عن “تعددية ثقافية وعلمية وتعددية سياسية. والكنيسة هي المكان الذي يجمعهم اياً كانت التيارات التي ينتمون اليها”.
ويضيف: “التعاون بسيط بينهم وتعمل الكنيسة على تعزيزه وتوسيعه، ليكون الصوت المسيحي الموحّد الذي يخرج من كليفلاند فاعلاً في تعزيز وجود ومصير المسيحيين في الشرق. لهم حرية التنوّع السياسي ولكن يهمّنا ان يكون الصوت الاغترابي موحداً عندما يتعلٰق الامر بمصير المسيحيين، في لبنان والشرق، ولا سيما عندما يكون الوجود المسيحي في خطر. والكنيسة في سعي متواصل لتوحيد الموقف، ولم نصل بعد الى درجة يمكن ان نقول عنها جيدة جداً لكن هناك تجاوباً وايجابية . هم الآن يجتمعون في مناسبات عدّة بمعزل عن تطلعاتهم السياسية المختلفة، والكنيسة تبقى هي الجامع في النهاية (…)”.
ويقول إن زيارة البطريرك الراعي “ظهّرت صورة هذا الواقع بحيث جمعت كل الاطراف السياسيين الفاعلين في كليفلاند، من “القوات اللبنانية” وصولاً الى “الحزب القومي”، مروراً بـ”التيار” والكتائب، وفي السياق نفسه، سعى كرم إلى “أن يشارك الجميع في استقبال وزير الخارجية جبران باسيل، خلال زيارته كليفلاند بعد مشاركته في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة”.
الطائفة المارونية في كليفلاند يمكن ان تشكل نموذجاً لوزارة الخارجية عن الواقع الاغترابي وعيّنة لأحد مكوّنات الاغتراب عن مدى ارتباطها بلبنان وتجاوبها مع قانون اشراك المغتربين في الانتخابات النيابية، وخصوصاً ان” المؤسسة المارونية للانتشار” مع الرعية قامت بعمل ميداني في تسجيل اللبنانيين ولا سيما الموارنة في القنصليات.
في وسط كليفلاند تقع كنيسة مار مارون التي شيدتها بداية الكنيسة الكاثوليكية الايطالية عام 1902 واشترتها الكنيسة المارونية منها عام 1952. وقبل نحو اربع سنوات اشترت الرعية المارونية كنيسة جديدة لها مع بيت للرعية على ارض شاسعة.
ويقول كاهن رعية كليفلاند المونسنيور كرم : “هناك وثائق تثبت وصول اللبنانيين الى كليفلاند في 1880، وان الموارنة كانوا اول الواصلين اليها. اول هجرة مهمة حصلت بين 1908 و 1909، ومَن جاؤوا كانوا من البقاع من عائلة شلالا. ودونا ادنا شلالا التي كانت وزيرة صحة في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، واحدة من هذه العائلة، وعمها كان اول متحدر من الشرق ومن لبنان تحديداً توصل ان يكون جنرالاً بأربع نجوم. ثم تلت عائلة شلالا عائلة البشعلاني.
وعام 1914 وصل الى كليفلاند اكبر عدد من عيتنيت في البقاع الغربي، ووصل اول كاهن ماروني وكان الاب الياس شلالا من البقاع. وبعدها فتح الباب امام مجيء الاب نعمة الله البجاني ثم كاهن من آل كرم. بقيت الجالية اللبنانية في كليفلاند من عيتنيت حتى منتصف الاربعينات، الى ان وصل اناس جدد من عبرين – البترون، وكوّنوا جزءاً مهماً من الجالية في كليفلاند.
في الثلاثينات وصل جزء من خربة قنافار وصغبين من البقاع الغربي، وتكونت الكنيسة في آكرون في اوهايو.
وبقيت الجالية في كليفلاند جزءاً منها من عيتنيت، وجزءاً من عبرين، حتى عام 1975 حيث فتح باب الهجرة على مصراعيه الى هذه المدينة من مناطق عديدة من لبنان، وخصوصاً من حمانا والبترون والشوف والجنوب…”
يقول نجيب راشد انه عمل مع “المؤسسة المارونية للانتشار” على تسجيل 1100 عائلة مارونية في كليفلاند وحدها . ووفق احصاءات الرعية و”المؤسسة” ، ان المسجلين هم 1100 عائلة، ولكن عدد الموارنة فيها يقدّر بما بين 25 و30 الف متحدّر من اصل لبناني وسوري. ومن بين العائلات المسجلة اكثر من 380 عائلة سورية مارونية في كليفلاند التي تعدّ اكبر تجمع للموارنة السوريين في الولايات المتحدة. وكما حصل مع اللبنانيين في الحرب اللبنانية في الـ 1975 عندما جاؤوا بدفعات كبيرة، كذلك الامر مع الموارنة الوافدين بدفعات كبيرة الآن من سوريا بسبب الحرب.
ويتوقع الاب كرم “ان يتزايد هذا التوافد ما دامت الحرب لم تنته”، مشيراً الى انهم “يصلون إلى كليفلاند بحدود عائلة او عائلتين كل اسبوع، وتستقبلهم الكنيسة المارونية وتعمل على تأمين المساعدات والمسكن والعمل لهم”.
وأشار إلى ان الجالية السورية المارونية في اوهايو عريقة وقدمت عطاءات كثيرة إلى المجتمع الاميركي ، ومن بينهم ماري روز عوكر التي تقول ان والدها سوري واجدادها من لبنان. وهي كانت احد اعضاء مجلس النواب لدورات عدة. وكذلك دونا شلالا هي واحدة من اهم رؤساء الجامعات في فلوريدا وكانت اول امرأة في الولايات المتحدة تشغل منصب رئيسة لأكبر الجامعات الاميركية UNIVERSITY OF WISCONSIN -MADISON، بالاضافة الى رؤساء بلديات وقضاة ومحامين كبار، ورجال اعمال ساهموا في الاقتصاد المحلي للولاية كما للولايات الاخرى.
كليفلاند هي مدينة في اوهايو التي هي ولاية من بين خمسين. وفي اوهايو، ست رعايا ورسالة للطائفة المارونية : رعيتان في يانغستاون، ورعية في آكرون، وواحدة في سنسيناتي وواحدة في دايتن، ورسالة في كولومبوس ، والرعية في كليفلاند تعتبر الاكبر والاقدم في اوهايو، وبعد سنة تحتفل بيوبيلها المئوي الأول. وتأتي بعدها في الاقدمية رعية يانغستاون.
وفي الولايات المتحدة،للموارنة دون غيرهم ابرشيتان و٨٥ رعية. ويقول راعي ابرشية لوس انجلس، المطران عبدالله زيدان” ان الموارنة في الولايات المتحدة يعدون نحو مئة الف مسجلين. ولكن هناك اعداداً كبيرة تفوق هذا الرقم. لذلك تركيزنا هو على ايجاد رعايا لجمع شعبنا، لأننا كلما اوجدنا رعية نوجد بيتاً لبنانياً. قنوات الاتصال بين الكنيسة ولبنان تسهلها الرعية، وتجمع المغتربين مع اهلهم في لبنان. واضافة الى الكنيسة المارونية هناك الروم الكاثوليك والروم الارثوذكس والأرمن والسريان وغيرهم، اضافة الى الاخوة المسلمين الذين لديهم وجودهم في الولايات المتحدة. والعلاقات مميزة في المناطق التي توجد فيها كنائس ارثوذكس وكاثوليك، كما في المناطق التي فيها وجود اسلامي لبناني ، وهذه الروابط تختلف باختلاف الولاية والمناطق والرعايا”.
ألين شاهين / النهار