تشير إحصاءات وزارة الصحة العامة، وفق الطبيب المشارك في دائرة التوليد والأمراض النسائية في المركز الطبي في «الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور فيصل القاق، الى أن عدد الولادات في لبنان بلغ 69948 لبناني، و39269 غير لبناني (معظمها لسوريين لكون أرقام وزارة الصحة العامة لا تشمل الفلسطينيين) في العام 2015. وتشير التقارير الى أن نسبة 70 في المئة من النازحين السوريين هم من النساء والأطفال.
تبيّن تقارير «البنك الدولي» أن معدل الولادة (Birth rate) على 1000 في لبنان بلغ 15 على ألف في العام 2014 بينما 38 على الألف في العام 1960. أما في سوريا فمعدل الولادة كان 48 على ألف في العام 1960 وانخفض إلى 23 على ألف في العام 2014. وتشير العمليات الحسابية، وفق القاق، الى أن معدل الولادة عند النازحين السوريين في لبنان يبلغ تقريباً 33 على ألف ما يعتبر رقماً مرتفعاً.
وبالرغم من زيادة عدد الولادات، حافظ لبنان على ما أنجزته وزارة الصحة العامة في السنوات السابقة في شأن انخفاض معدل وفيات الأمهات. فسجّل عدد وفيات الأمهات 15 (10 لبنانيات وأربع سوريات وواحدة فلسطينية) في العام 2015، وتسع (ست لبنانيات و3 سوريات) في العام 2014 ما يدل على حيوية ومرونة النظام الصحي في لبنان من حيث خبرته في التعامل مع الأزمات والحروب، وعلى توافر شبكة واسعة من الخدمات الطبية ومراكز الرعاية الصحية الأولية وعدد الأطباء والطبيبات.
من جهة أخرى، تشير الدراسات العلمية الى انخفاض استخدام وسائل منع الحمل بين النازحين السوريين. فبينما كانت نسبة استخدام وسائل منع الحمل في سوريا تصل الى 61 في المئة، انخفضت النسبة الى 34 في المئة عند النازحين السوريين في لبنان. قام فريق من الباحثين (تمار كباكيان خاشوشليان، ريما مرتضى، هيام باشور، فيصل القاق، هدى زريق) من «كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت» هذا العام بدراسة في شأن تحدّيات صحة الأمومة. وبيّنت نتائج الدراسة أن أسباب انخفاض استخدام وسائل منع الحمل بين النازحين ترتكز على عدم تشجيع الرجال للنساء على استخدام وسائل منع الحمل، تخوّف الزوجة من أن يقوم الرجل بالزواج بأخرى، موت الأطفال في الحرب وفكرة التعويض بإنجاب أطفال آخرين، فكرة أن لا تطول الحرب وبالتالي يستفيد الأهل من الخدمات الطبية المتوافرة في لبنان للإنجاب قبل العودة الى سوريا، وطبيعة المناطق الريفية التي ينحدر منها النازحون والتي تغيب عنها ثقافة استخدام وسائل منع الحمل. يوفّر «صندوق الأمم المتحدة للسكان ـ UNFPA» وسائل منع الحمل للنازحات من حبوب أو لولب رحمي (intrauterine device) غير أن ظروف النزوح لا تساعد على الالتزام (نسيان تناول الحبة، عدم المتابعة) ويعتبر القاق أن الخدمات الموزّعة أدنى من الهدف المنشود.
تبيّن دراسات أخرى ارتفاع الزواج المبكر عند النازحين، وإظهار النازحات الصغيرات في السن المتزوجات رغبة كبيرة في الإنجاب كدليل على الخصوبة. لا تقوم نسبة 8 في المئة من الحوامل النازحات بأي متابعة طبية أثناء فترة الحمل، وتقوم نسبة 30 في المئة من اللواتي يتابعن الحمل بزيارة أو زيارتين طبيتين (الحد الأدنى المطلوب وفق «منظمة الصحة العالمية» أربع زيارات) وتحصل نحو ثلاثين في المئة فقط على الرزمة الكاملة لمتابعة الحمل، ولا تحصل نسبة أربعين في المئة على الفيتامينات والمعادن الضرورية لتعزيز سلامة الحمل، بالرغم من وجود شبكة واسعة من مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة لوزارة الصحة العامة، والمدعومة من «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين». تغطّي المفوضية نسبة 85 في المئة من كلفة الفحوص الطبية، وصورتين «ultrasound ـ موجات فوق صوتية» مجانية و75 في المئة من كلفة الولادة وتوفير الفيتامينات والمكمّلات الغذائية مجاناً. تدل تلك المعطيات على إهمال النازحات لصحتهن وضعف التزامهن بالمتابعة الصحية، وعلى قلة إصرار مقدّمي الرعاية الصحية على تقديم رزمة كاملة للنازحات الحوامل.
يبلغ عدد الولادات القيصرية (لبناني 37172) وغير لبناني 13546، وفق أرقام وزارة الصحة العامة في العام 2015. تصل نسبة الولادات القيصرية عند الحوامل اللبنانيات، وفق القاق، الى نحو 50 في المئة، بينما تسجل نسبة 35 الى 40 في المئة عند الحوامل النازحات. يشكل ارتفاع معدل الولادات عند النازحات، وارتفاع معدل الولادات القيصرية عاملاً خطراً لصحة المرأة إذ يزيدان خطر التعرّض لمضاعفات خطيرة ومميتة.
يقول القاق إن تلك المعطيات لا تهدّد النظام الصحي اللبناني حتى اليوم غير أنها تشكل تحدياً وأعباء يجب التنبه لها في المستقبل.
توصيات الاجتماع الوطني
نظّمت «كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت» و«صندوق الأمم المتحدة للسكان» اجتماعاً وطنياً في شأن صحة الأمومة في ظل أزمة النزوح، الشهر الماضي، بهدف دراسة المعطيات الجديدة وقراءة المؤشرات المستقبلية والتعامل معها من أجل تعزيز صحة وسلامة المرأة. يؤكد نائب الرئيس التنفيذي للطب وعميد كلية الطب في «الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور محمد الصايغ التزام الجامعة بصحة النازحين وإطلاقها مبادرات في شأن الطب والصحة أثناء الصراع. وأوصى المجتمعون من مختلف الهيئات والمنظمات المعنية بضرورة العمل على رفع الوعي في شأن استخدام وسائل منع الحمل بما يتناسب مع تقاليد وثقافة النازحين، خفض معدل الولادات القيصرية وتوفير الرزمة الكاملة للمرأة الحامل، تعزيز قدرات العاملات الميدانيات لتقصي مشاكل المرأة الحامل وتحويلها الى العناية المتخصصة، تحديد الأولويات البحثية في الجامعات ووضع الاستراتيجيات، تعزيز الأمان الصحي والاجتماعي للمرأة النازحة الحامل ضمن مفهوم «منظمة الصحة العالمية».
السفير