في عودةٍ الى الصفحاتِ العربيّة الأولى لولادة الإنجيل بحروفِ اللغة الأمّ وانبثاقِه بأصوات الحروف العربيّة صدى لتكريس الإيمان، إرتحلتِ الجامعة الأنطونيّة عبر دار نشرِها الى مطالع الحبر المسيحيّ، الى خمرة الإنجيل المعتّقة في خوابي زمن روما حيث خطّت الأيادي قبل نيّف وأربعِ مئة عام مخطوطة كلام يسوع المسيح على جبين تاريخ الكنيسة باللّغة العربيّة . من هنالك، من المِداد الأصل والتّرجمة الثّبت لتبشيرِ السيّد المسيح كما كتبه الرّسل الأربعة ، استقتِ الجامعة الأنطونيّة وهجَ الكلمات باللغة العربيّة من كنز روحيّ مسيحيّ قلّ نظيرُه في المكتبات الدينيّة ولدى الرّهبنات، وأعادت طباعة التّرجمة الأولى للكتاب المقدّس بعهده الجديد هديّةً ميلاديّة على عتبة ميلاد السيّد المسيح.
هذا النتاج الجديد ليس إلا إرثًا تعيدُ الجامعة الأنطونيّة نشرَه بعد أربعة قرون من الزّمن ، وهو وليدُ الطبعة العربيّة الأولى من الأناجيل الصادرة عن المطبعة الشرقية الماديشية بإدارة العالِم الإيطالي جيوفاني باتيستا ريموندي نتيجةً لتأسيس المعهد الحبريّ الماروني في الحاضرة الفاتيكانيّة بدَفع من البابا غريغوريوس الثالث عشر لإدراكه قدرة الموارنة على الاضطلاع بالبحث والتعلّم وبث جوهر الإيمان في الكنيسة في الشرق. ورغم صعوبة التقطيع المطبعيّ بالحرف العربيّ كانت ولادة هذا الإنجيل عام ألفٍ وخمسِ مئة وتسعين تحفة إيمانيّة رأى عبرها الإنجيل النور بأربعة آلاف نسخة وًزّعت في العالم العربيّ ليعمَّ نورُها وجوهرًها الأرجاء الكنسيّة في المشرق.
ملامحُ اللغة العربيّة في الطباعة الحديثة للنسخة الأصل اتّسمت بالحرف العربيّ المتقن والمُوشّى جمالا وبهاء يقارب إشعاع الآيات ودلالاتها واتّشاحَها بالأحرف الرّفيعة وجماليّتها المُرهَفة المنطوية على حرارة تنبعثُ من لون أوراقها المُشرقة إيمانًا أبدا. وقد ضمّتها دار نشر الجامعة الأنطونيّة في ثلاث مئة نسخة مرقّمة بالتسلسل لتقدّمِها تذكارا وعلامة مسيحيّة تشهد في هذا الشرق ، في هذا الوطن على كلمة ربّنا يسوع، وتشكرَ من خلال صفحاتها الأجيال السّالفة لعنايتِها بإضاءة كلمة الله في حروف باهرة تعكسُ من جهة عبقريّة “غوتنبرغ” مهما طوى الزمن من الصفحات الورقيّة، وتقدّمه الجامعة عربون وفاء للرهبان وآثارهم الدّامغة على كلّ ورقة من أوراقٍ أُعيدت قراءتُها على ضوء الشموع ومصابيح الزّيت في كنائس الرّهبنة وأديارها لاستعادة همسات صلوات أولئك الرهبان وتقدماتِهم على مذابح الأنطونيّين.
وبعدما رفعت رئاسة الجامعة النسخة الأولى الى قداسة البابا مار فرنسيس لنيل سلسلة الإنجيل بركتَه البابويّة ، قدّمت في افتتاحيّة تساعيّة الميلاد في حرمها – بعبدا الحدت النسخة الثانية الى غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الرّاعي لدى ترؤسه التساعية ورفعه الصلاة الميلاديّة عن نيّة الجامعة الأنطونيّة ولبنان.
هذا الإرث المستعاد كنسيًّا عبر الإنجيل المنحوت باللغة العربيّة والصادر في طباعة بهيّة تعكس بشكلها الأنيق مضمون الكتاب المقدّس العميق، سيكون تجديدًا للاتقاء بكلمة المخلّص، وهديّة روحيّة للسفراء والشخصيات الرّوحيّة والأكاديّمية والأعلام البارزة في لبنان والخارج، هم من تمدّ معهم الجامعة الأنطونيّة جسور الصداقة الأكاديميّة والثقافيّة، وها هي تعبر اليهم عبر جسر روحيّ ليحفظوا في ذاكرة مكتباتهم كتابًا له عبق الكلمات الأولى بصوت المسيح ، ورائحة الخطوط الممزوجة بحبر الإيمان كي يؤنجلوه بين أناجيلهم علامة فارقة لزمننا وعصرنا من زمن الأوائل، من عهد كتاب كان ويبقى صفحة بل نجمة مشرقة في تاريخ صفحاتِنا الكنسيّة.