مستلقياً على سريره في جناح خاص في مستشفى سيدة المعونات الجامعي التابع للرهبانية اللبنانية المارونية، يستقبلك البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير بابتسامته المعهودة سائلاً مع إشارة بيده: “شو مشوارك طويل عذّبناك”. وقبل أن تستفسر عن صحته يسبقك مردفاً بالسؤال عن “العيلة”.
تصمت وتسأل نفسك ما سر هذا الرجل ابن الرابعة والتسعين وربع السنة؟
الكاردينال صفير الهادئ الحكيم السريع الخاطر المتقد الذكاء، بدا متفوقاً على الجراحة التي أجريت له باستئصال المرارة التي تكتلت فيها “بحصتان”، ولحمية صغيرة في الأمعاء. تسأله هل يشعر بوجع فيرد “ماشي الحال بقوة الله”. وهل شعر بألم بعد الجراحة؟ يقول: “يعني محمول”.
وهنا يأتي دوره ليسأل عن الوضع وعن “زيارة سيدنا الراعي لأربيل”، وأوضاع المسيحيين هناك. ويضيف “الله يحميهم”. ويؤكد أن “زيارة غبطتو وأصحاب الغبطة كانت ضرورية”. ويأمل في حل يحمي مسيحيي العراق، ويرى أن “الله الحامي”.
وبين كلام وكلام واستفسار وآخر، يدخل اليه الطبيب الذي أجرى له الجراحة النائب الدكتور وليد خوري مطمئناً إلى حال الجرح ويتأكد مع طبيبه الخاص الدكتور الياس صفير الذي، يتابع كل شاردة وواردة، من سير الدواء، كذلك يزوره أطباء آخرون من محبيه وقادريه “الحمدلله سيدنا”.
و”سيدنا” يبتسم لهذا ويسأل عن صحة ذاك، وتحار وأنت عنده مَن المريض ومَن الصحيح؟
ويتشعّب الحديث ويكثر الزوار الذين تواجههم شقيقة الكاردينال السيدة ميلاني بريدي بابتسامة معهودة وترافقهم إلى غرفته، بينما يتولى شماسه الخاص وأمين سره منذ نحوٍ من خمسين سنة، السيد جورج صليبا توديعك وأنت تغادر.
ومن الحديث في السياسة، إلى أوضاع المنطقة، إلى “البلد البلا رئيس”، والخطابات والوعود. وتستحضره هنا أقوال وأبيات شعر عدة ألقاها في خطبه في لبنان وجولاته الاغترابية، ومنها بيتان في الوعود المعسولة التي لا تروي ولا تطعم، وهما:
أبو موسى دخلت عليه يوماً
فأشبعني برائحة الطعام
وكان كمَن أشرب الظمآنَ آلاً
وكنت كمَن تغدّى في المنام
والكاردينال صفير يستعد خلال الـ48 الساعة المقبلة لمغادرة مستشفى سيدة المعونات، إلى مكان يمضي فيه فترة نقاهة. تودّعه فيزوّدك دعاءً، وتنظر إلى الوراء فتجده يعود إلى الصلاة. لعل بصلاته قيامة للبنان واستفاقة لضمير وطني لا يزال في سبات عميق؟!
وكان مستشفى سيدة المعونات غص في اليومين الأخيرين بشخصيات ووفود اطمأنت إلى صحة صفير. ومن الزوّار والمتصلين: رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس الحكومة تمام سلام، الرئيسان ميشال سليمان وأمين الجميل، الوزير وائل أبوفاعور، شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن، السفير البابوي المونسنيور غبريالي كاتشا، النواب وليد جنبلاط وروبير غانم ودوري شمعون ونقولا غصن، والوزراء السابقون ميشال إده وناظم الخوري ووديع الخازن وزياد بارود ومحمود طي أبو ضرغم وعصام أبوجمرا وناجي البستاني وسليم جريصاتي ومروان شربل، والنواب السابقون كميل زيادة وميشال الخوري وجان عبيد وفارس سعيد، وقائد الجيش العماد جان قهوجي، والسفيران جورج خوري وخليل كرم، ورئيس المجلس الدستوري عصام سليمان والدكتور جوزف طربيه والدكتور نزار يونس والمحامي جان حواط ورئيس بلدية جبيل زياد حواط والمهندس مارون حلو والمهندس هنري صفير والقنصل أنطوان عقيقي وروبير بولس والدكتور الياس أبو عاصي واللواء سهيل خوري والسيدة زينة العلي المرعبي، وشخصيات سياسية وقضائية واجتماعية وعسكرية وإعلامية.