في الندوة، حلقات حوار بين اختصاصيين وطلاب في شهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعتيّ اليسوعية واللبنانية بالاضافة الى بعض المنخرطين في الشأن العام، عن مواضيع تتعلق بالهجرة و”مشتقاتها” بمقاربة علمية موضوعية.
موضوع الهجرة حديث الساعة على المنابر ويفرض نفسه داخل صروح أكاديمية لتبديد المخاوف وادراجه ضمن مقاربات صحيحة، وهذا ما دعا إليه مكتب الوكالة الجامعية للفرنكوفونية – الشرق الأوسط بالتعاون مع مكتب الأونيسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية.
عرفت مديرة الوكالة سلوى ناكوزي هذه الحلقات الحوارية بأنها جزء من النشاطات التي تلت الندوة الدولية التي انعقدت في بيروت في آذار الجاري بعنوان “حوار الثقافات، ثقافة الحوار في الشرق الأوسط”. وحددت مواضيع
“الحلقات الحوارية بين مجموعة من الأساتذة والخبراء بأنها تناولت الهجرة، حقوق المهاجرين ووضعهم القانوني، بالإضافة إلى السياسات المختلفة المعتمدة في هذا المضمار”.
وعندما سألناها عن أسباب إختيار هذا الموضوع أجابت “بأننا نحتاج إلى مقاربة علمية موضوعية لظاهرة اللاجئين في لبنان والتي تشكل مصدر قلق بسبب تزايدها على الساحة المحلية”. وقالت: “أردنا من هذه الحلقات أن نخرج الطلاب من معادلة الأحكام المسبقة أو الآراء المبنية على العاطفة في هذا الملف”.
ورداً على سؤال عن الطلاب المعنيين في هذه الحلقات قالت: “إنتسب إلى هذه الحلقات طلاب الماجستير في مرحلتيه الأولى والثانية من جامعة القديس يوسف وطلاب دكتوراه من الجامعة اللبنانية في إختصاصات الحقوق، السياسة، التاريخ، الإجتماع ، الجغرافيا الإجتماعية، الآداب ومتفرعاتها وعلوم “الأنثروبولوجيا”.
الهجرة “تحت المجهر”
من جهتها، شرحت المؤرخة والباحثة في مركز الدراسات للعالم العربي المعاصر في جامعة القديس يوسف ليليان خوري خريطة الطريق لمنهاج هذه الحلقات قائلة: “لقد بادر البروفسور في جامعة “بواتييه” الفرنسية وليام برتوميير بالتعاون معي ومجموعة من الخبراء في العلوم الإنسانية والاجتماعية الى وضع هذا البرنامج لمقاربة واقع الهجرة الحالي، ولاسيما من حيث عولمة الهجرة وديناميتها، تدفقها وتصنيفها، وصولاً إلى عرض السياسات الخاصة بالهجرة المتبعة في الدول، المجموعات والأفراد.
وقالت: “وضعنا ايضاً في اولويات البرنامج شرح المقاربات القانونية للهجرة محلياً ودولياً فضلاً عن عرض مقاربات جديدة للبحوث من خلال جملة المواضيع المثارة في البرنامج”.
واعتبرت أن “هذه الحلقات التي إنطلقت هذه السنة، إختبارية، ونتطلع السنة المقبلة إلى إعتماد برنامج يضاف إليه مقاربة اقتصادية لعلم الهجرة. نعتمد في البرنامج المقبل على إعطاء حصة كل أسبوع ويمتد على مدار شهر أو شهر ونصف الشهر ويتخلله زيارات ميدانية تطبيقية”.
أما برتوميير، فاعتبر أن من “أهم ما واكبناه في هذا البرنامج هو لفت إنتباه الطلاب إلى دور مواقع التواصل الاجتماعي في إختيار موضوع لبحثهم”. وقال: “إن موقع “فايسبوك” ليس للتلاقي وللصداقة بل شكل عبر تأسيس صفحة محددة فرصة لجمع شمل عائلات تشتتت بسبب الهجرة، وهذا أمر مهم يستحق البحث”.
من جهة أخرى، خصت الدورات حصصاً خاصة تناولت فيها الخبيرة في شؤون الهجرة نايلة تابت شهدا السياسات المدرجة في بعض البلدان الخاصة بالهجرة، لاسيما السياسة التي ينتهجها لبنان حيال الهجرة الأجنبية الى أرضه. أضافت، أن جانباً من الحلقة تطرق إلى ظاهرة الإتجار بالبشر وتحديداً العمالة القسرية ونمط ممارستها على العاملات في الخدمة المنزلية.
وخصت شهدا قسماً من الحصة للاتفاقات الدولية التي تصون حقوق هذه الفئات، علماً أن معاهدة حقوق الإنسان الدولية تثمن هذه الحقوق. وتوقفت عند دور الاتفاقية الدولية لحماية العمال الأجانب وعائلاتهم وضرورة التزام لبنان الكلي بتطبيق مضمونها لحماية هذه الفئات.
اللافت أن “ذروة” النقاش في هذه الحصة وفقاً لها “تمثل في إثارة قضية اللاجئين في لبنان عموماً ومنهم السوريون الوافدون إلى وطننا خصوصاً”. قالت: “شكلت قضية اللاجئين السوريين وواقع العمالة الأجنبية هاجساً مقلقاً لدى الطلاب والمشاركين من المجتمع المدني لأنهم كانوا يبدون إمتعاضهم من هذه الفئة التي تستفيد من حقوق اللبنانيين”. وقالت: “لم يكن الطلاب على إطلاع على مضمون إتفاقية الحماية الدولية للفئتين المذكورتين. لذلك وضعناهم في صورة كل منها…”.
من الناحية القانونية، حرص البروفسور في الحقوق في الجامعة اللبنانية والمحامي بالإستئناف وعضو المحكمة الدائمة في لاهاي الدكتور وسيم منصوري “في الحصص التي قدمها للطلاب على إيضاح المفردات المتعلقة بالمغتربين ومحاولة الفصل بينها”. وقال: “شددنا أمام المشاركين أن للاغتراب والمغتربين مفهوماً اجتماعياً أكثر مما هو قانوني، وتالياً يفرض وضع تعريفات واسعة وشاملة لمختلف المفردات المتعلقة بالاغتراب”. اضاف: “عرضنا أمثلة عديدة تحيط هذه المقاربة ومنها على سبيل المثال، المهاجر، المغترب، تصنيف أنواع الهجرة بالنسبة الى البلد ونظرتها.”
وربط منصوري هذا المثال “بواقع كندا التي تحاول أن تستقطب مهاجرين ليصبحوا جزءاً من شعبها بينما تعمد بلدان أخرى إلى إرسال جزء من شعبها للعيش في بلد أو منطقة أخرى بهدف إعطائها صبغة معينة سياسية وما إلى هنالك”.
وأوضح منصوري في حواره مع الطلاب أن مقابل ما تم ذكره آنفاً ثمة مجموعات تعرف بالنازحين أو اللاجئين. وقال: “إن صفة النازح تدخل صاحبها بقالب قانوني بينما كلمة اللاجىء هي صفة غير قانونية وتفرض على حاملها أن يلجأ إلى الدولة لإجراء المقتضى لتتمكن من إستضافته”.
ختاماً، تناول وضع لبنان، معتبراً انه “بلد عبور وليس بلد لجوء”. وقال: “عندما يأتي نازح الى أرض لبنان لا يتحول إلى لاجىء فيه قبل أن يحصل على بطاقة تعريفية من المفوضية العليا للاجئين تسمح له بالبقاء على أرض لبنان في شكل قانوني إلى حين إيجاد بلد يلجأ إليه”.
روزيت فاضل / النهار