سأنطلقُ في موضوع ” الوسواس الدينيّ ” من إتجاهين ، وسأتأمّل وإيّاكم في الموضوع : الوسواس الدينيّ من جهة الصلاة وكيفيّة ممارستها ، والتي قد تؤدّي إلى ممارسات ٍ وثنيّة بعيدة عن المنطق والحقّ الذي أرادهُ الربّ منّا . ومنها أيضا ، سنرى التصوّرات المغلوطة عن الله . ولقد رأيتُ أنّ الصلاة الوثنيّة الخاطئة ، والصور المشوّهة عن الإله ، إمّا تأتي بسبب الوسواس الدينيّ ، وربّما أيضا هذه الصلاة والصور ، هي التي تؤدّي إلى ولادة الوساوس الدينيّة التي لا داعَ لها . أمّا الإتجاه الآخر الذي سأوضّحه وأتطرّق إليه ، هو جانب ” الإصغاء إلى الله ” ، وكيفَ نقدرُ أن نكوّن مع الآخر علاقة سليمة بعيدة عن مشاعر الذنب المرضيّ التي يؤول إلى الوسواس الدينيّ .. ومنها أيضا ، سنتكلّم عن علاج الوسواس الدينيّ المرضيّ الذي يهيمن على الكثيرين اليوم ، من خلال الكلام عن ” البنوّة ” مع الله .
لن أقومَ بشرح ٍ أكاديميّ لموضوع الوسواس الدينيّ من الناحية النفسيّة وتعقيدات علم النفس (فهذا ليس من إختصاصي – أضعهُ لعلماء النفس ! ) . سيكونُ الموضوع أكثر كلاسيكيّا ، يهمّ واقع الإنسان اليوم ؛ ما أبغيه هو ” تقشير الطبقة المتصدّئة التي تُغلّف حياة الإنسان ، طبقةٌ سميكة لا داعي لها أبدًا ، لإنها من (مخلّفات الماضي) ، تقودُ (كما سنرى) ، إلى الوهم .
هل يا تُرى أنّ الدين (التديّن ) ، هو سبب ولادة ” الوسواس الدينيّ ” في حياة الإنسان ؟ . وهنا نميّز بين الدين والإيمان . فالدين ، سعيٌ مصدرهُ الإنسان ، قد يكون أمرٌ ثقافيّ ، ويمكنُ الإعتقاد أنّه وُجدَ مع الإنسان ، منذ ملايين السنين أخذ الجنس البشري يظهر على وجه الأرض ، في حين أنّ الزمن الذي يفصُلنا عن إبراهيم لا يبلغُ أربعة آلاف سنة . يتساءل الأب فرنسوا فاريون ، هل كان الإنسان ، مدّة تلكَ الألوف والألوف من السنين ” حيوان متدّين ” ! ، بحسب العبارة التي وردتْ على لسان (آرسطوطاليس) . رغمَ أنّ ماركس ، أنكرَ هذا الإفتراض ورأى أنّ الدين لم يظهر على وجه الأرض إلا مع إستغلال الإنسان للإنسان ، وإستنتجَ أنّ الدين يفقدُ كلّ علّة وجوده ِ ، يومَ يزولُ إستغلال الإنسان للإنسان ( مجتمعٌ بلا طبقات ) .
وهنا يقول فرنسوا : الدين أمرٌ ثقافيّ بشريّ. الدين ، الشعور الدينيّ ، بصفته غير الإيمان ، وبصفته قابلا للنظر إليه بمعزل ٍ عن الإيمان . إنه أمرٌ يلبّي بعض ” حاجات ” الإنسان .
إذن ، هل في هذه الحالة ، نستطيعُ أن نقول : إنّ الكثيرين هم ” متديّنون ” لا ” مؤمنون ” !؟ . قد يكونُ في هذا الإعتقاد بعض الصحّة في واقعنا اليوم .
غايتي في هذا الموضوع ، لا أنْ – كما يفعلُ بعض الزمر من الناس – أ ُبخّر في وجوهكم (مع شديد الإحترام والتقدير لمقامكم ) .. ” عندما تذهبُ للطبيب ، سوف لن يقولَ لك ” ما أجمل عيناكَ ! ، بل سوفَ يشخّص مرضك للتخلّص منهُ بأسرع وقت ! ” .. هدفي كشفُ الخطر ، ورفعُ الطبقة الشمعيّة التي إحترقت ، وكسر هذه الحلقة المؤلمة التي تخنِقُ إيماننا المسيحيّ بسبب ( وساوس الدين ) والخوف من ” الإله “، وإستمالة عطفهِ ، وإرضاءه بأمور ٍ تافهة ٍ لا تليق بالمسيحيّة لا من قريب ولا من بعيد . إنها وساوس وأوهام .
نرى اليوم في عالمنا ، الكثيرينَ يلجأونَ إلى ممارسات ٍ بعيدة عن الواقعيّة ، ممارسات ” لا منطقيّة – لا عقلانيّة ” ، بل إنّها فقط تقودُ إلى مورّثات قديمة ( أبّا عن جدّ ) إستحوذتْ العقول والنفوس ، وأصبحتْ ” مبدأ حياتيّا وقانونا لنا” ! . بسبب ، أنّ الإنسان المرميّ في بحر هذا العالم الهائج (الغامض المجهول ) لا يلبثُ أن يشعرَ بإنّ وجوده غير ثابتْ وسريعُ الزوال ، ومهدّد . ما الذي يهدّده ؟ قد يكون المستقبل . فهو لا يعلمُ ما قد يحصَل : المجاعات ، الصواعق ، الأمراض ، الكوارث ، الموت . وفي أيّامنا أيضا ، نحنُ المدّعين أنّنا مثقّفونَ ومتطوّرون ، لا نزالُ محافظين على شيء من ذيول تلكَ ” العقليّة البدائيّة ” ، ونتكلّم على (أيّام الجدود) ، إذ نقول : لا نعلمُ ماذا يخبّئه لنا المستقبل . فالمستقبلُ يهدد ، والماضي مريحٌ ، ويُطمئن أكثر ! .. أسطورة العصر الذهبيّ ، أسطورة تشملٌُ العالمَ كله؛ فالمثالُ الأعلى هو ” وراءنا ” ، والشرّ هو في التقلّب ، فكان الأفضل أن يبقى كلّ شيء ٍ على حاله ِ ، والدين هو ما يربطُ بما لا يتبدّل ، أي بذلك الماضي الأصليّ حيث كانَ كلّ شيء ٍ ، على حسب ِ زعمهم ، صافيــــًا .
يتبعُ
زينيت