قبل 50 عاماً أبصر النور المجلس الثقافي للبنان الجنوبي على الفكر والثقافة، ولا يزال واضعاً نصب عينيه الاهتمامات نفسها. ماذا يخبّئ المجلس للسنوات المقبلة في يوبيله الذهبي؟
4 أسباب تقف خلف استمرارية المجلس الخمسينية، وفق عضو الهيئة الإدارية الدكتور عبدالله رزق في حديث إلى “النهار”: “إخلاص المجلس للشعارات والأهداف التي انطلق منها، استقلاليته الكاملة في توجهاته الثقافية وحتى السياسية عن كل الانقسامات في المجتمع، هيئاته الإدارية التي تواصلت بعضها مع بعض لتطوير أشكال العمل والتزام الأهداف، وعنوان هذه كلها والممسك بزمامها الأمين العام حبيب صادق”.
ما أهمية هذا اليوبيل بالنسبة إلى المجلس؟ يجيب رزق: “توقفنا أمام اليوبيل الذهبي لنكرّس هذا التاريخ من النشاط الدؤوب على امتداد 50 عاماً، بدءاً بالندوة الأسبوعية كل خميس، وانتهاء بإصدار كتب ونشرات على علاقة بإرث جبل عامل وتاريخه، وكتب متنوعة عن الثقافة الوطنية الديموقراطية في شكل عام على مستوى لبنان، إلى معارض الفنون التشكيلية، والأمسيات الفنية وغيرها… هذا النشاط ذو الأعوام الـ50، محطة من المحطات الأساسية التي يجب التوقف عندها للإطلالة على هذا التاريخ واستشراف ما يمكن فعله في المستقبل. احتفينا في هذه المناسبة عبر سلسلة من النشاطات طيلة أسبوع في قصر الأونيسكو، وهي معرض تشكيلي لفنانين جنوبيين، مع أمسيتين شعريتين لشعراء انطلقوا من المجلس ولهم أسماؤهم المدوية اليوم على الساحة الشعرية كالياس لحود، محمد علي شمس الدين، شوقي بزيع، حسن عبدالله، وجودت فخر الدين، وانتهاء بأمسية كانت إبداعية بامتياز للفنانة أميمة الخليل دامت ثلاث ساعات”.
يتابع: “كرّس اليوبيل استمرارية المجلس والدور الذي أداه على امتداد 50 عاماً، وفتح عيوننا أمام آفاق جديدة يمكن من خلالها تطوير أشكال التواصل وتحسينها، عبر نشر الثقافة الديموقراطية الوطنية التي اضطلع بها المجلس منذ انطلاقته، ليس على مستوى الجنوب فحسب، إنما لبنان كله، منطلقاً من فكرته الأساسية أن الجنوب هو قضية وطنية بامتياز تمتد على امتداد الوطن، من شماله إلى جنوبه. فبناء على القرار الذي صدر في عام 1964 وقضى بتأسيس مجالس ثقافية في المحافظات، أنشئ المجلس، جذوره في الجنوب ولكن همومه كل القضايا والمشكلات المطروحة على مستوى الوطن، لذلك تنوعت ندواته بين الثقافة والقضايا السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، التربوية، المعيشية التي تهم جميع المواطنين اللبنانيين تحت عنوان الثقافة الوطنية الديموقراطية والعدالة والدولة المدنية الديموقراطية التي نعتبر أنها هدف أساسي من أهداف الحراك الذي شهده لبنان”.
وبالعودة إلى ظروف نشأة المجلس، يذكّر رزق بأنه تأسس في ظل الانقسامات الطائفية والإقطاع، فسعى إلى أن يوحّد تحت راية الثقافة ما فرّق بين الجنوبيين خصوصاً واللبنانيين عموماً، محاولاً نشر الديموقراطية ونفض الغبار عن التراث الجنوبي، فضلاً عن ضخّ ثقافة جديدة خاصة بالعصر آنذاك. وقد تولى الأمانة العامة الأولى للمجلس أحد مؤسسيه الدكتور الراحل عبد الرؤوف فضل الله، وتبعه القاضي زيد الزين، إلى أن آلت الأمانة إلى حبيب صادق مع بدايات الحرب الأهلية اللبنانية. مقرّ المجلس الآن في برج أبي حيدر، بعدما ظل حوالى 6 أعوام من تأسيسه من دون مقر، وحين اتخذ من شقة في رأس النبع مكاناً لنشاطاته “شرّدته” مصادرة الشقة في إبان الحرب الأهلية، وانقضت أعوام حتى استقرّ نهائياً في مركزه الحالي.
أما الجديد الذي سيرخي بثقله على المجلس بعد اليوبيل، فيلخصه رزق بالقول: “الحفاظ على الإيجابي من هذه النشاطات التي اعتادها الناس كالندوة الأسبوعية، والانفتاح على أشكال جديدة لها علاقة بالتطور التكنولوجي والتقنيات الحديثة، مثل إنشاء صفحة خاصة بنا على الـ”فايسبوك”، من شأن ذلك أن يساهم في إيصال هذه النشاطات إلى الناس وجذب فئة جديدة من شباب لبنان نحو الثقافة. فبتقديرنا، نحن نستطيع أن نشركهم أو نستمع إلى هواجسهم وطموحاتهم وهمومهم كي يتفاعلوا بعضهم مع بعض وينتجوا ثقافتهم وأشكال نشاطهم الخاصة بهم كشباب. توقفنا في شكل أساسي عند الشباب لأنهم يجب أن يكونوا مساهمين فعليين في هذه الورشة الثقافية على مستوى الوطن. هم بعيدون من المناخ الذي اعتاد المجلس أن يعنى به في نشاطاته الثقافية، كالندوة والمعارض. قد تكون لهم همومهم وهواجسهم الأخرى، لذلك نشرّع أبوابنا أمامهم حتى يعبّروا عنها بالأشكال التي يجدونها مناسبة لهم وتجذبهم أكثر من أخرى ربما هي تقليدية لا تروقهم كثيراً”.
هل يغرّد المجلس وحيداً في الساحة الثقافية؟ “للأسف نعم” يقول رزق، ويضيف: “طبعاً نحب أن تكون ثمة مجالس وهيئات أخرى أكثر نشاطاً منّا، فنحن لا نسعى إلى أن نحتكر هذا النشاط. للأسف، يبدو أن الاستمرارية تميّز بها المجلس فقط، مع احترامنا وتقديرنا للنشاطات الثقافية التي تقوم بها هيئات ثقافية أخرى من وقت إلى آخر، لكنها لا تتّصف بالديمومة والاستمرارية اللتين وسمتا المجلس”.
ماريا الهاشم / النهار