«كنت فقيراً جداً، أصنع من جواربي كرة قدم صغيرة ألهو بها على شواطئ بورتو ألّيغري، اليوم أنا أفضل لاعب في أوروبا، أكاد لا أصدّق ذلك». بهذه العبارات اختصر البرازيلي رونالدينيو علاقته باللعبة الأكثر شعبية في العالم. معظم صانعي أساطير عالم الكرة، آتون من بيئات فقيرة، ميسي، ومارادونا، وبيليه، وكريستيانو رنالدو، وزين الدين زيدان. لكنّ اللعبة الأكثر جماهيريّة في العالم، تخضع اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، لسطوة المال. فالساحرة المستديرة لم تعد خبزاً شعبياً يتناوله الجميع، حيث ترفع إمبراطوريات الإعلام شعاراً مختلفاً يقول: «إنّ كرة القدم باتت للأغنياء فقط».
شهد عام 2009 انهياراً كبيراً لمجموعة «راديو وتلفزيون العرب art». فالشبكة السعودية الّتي احتكرت بثّ الأحداث الرياضيّة العالميّة عربياً لعقد من الزمن، لم تستطع أن تنافس غول الإعلام الرياضي المعاصر «الجزيرة الرياضيّة»، والتي تحمل اليوم اسم «بي إن سبورت». فالشبكة القطرية الّتي تأسست العام 2003، لم تحتج إلى أكثر من عشر سنواتٍ لتتحوّل إلى رقمٍ صعبٍ في دنيا الميديا وهي اليوم، تملك حقوق بثّ أهم البطولات الأوروبية والعالمية ضمن حزام العالم العربي، وبشكلٍ حصريّ طبعاً.
استطاع القراصنة، خلال السنوات الخمس الماضية، أن يخترقوا أنظمة حماية الشبكة القطرية. واكتسحت الأسواق تجهيزات كثيرة تتيح للمشاهد متابعة قنوات «بي إن» بأسعار بخسة.
اختلف الأمر بعد مونديال 2014، إذ أعلن رجل الأعمال القطريّ ناصر الخليفي إدخال جميع قنوات شبكته، بما فيها حزمة القنوات فائقة الجودة، في نطاق «التشفير الآمن» وهو واحد من أحدث أنظمة الحماية حول العالم وأكثرها فاعلية. ذلك ما خلق موجة غضب واستنكار لدى الشارع المتعطّش لمشاهدة مباريات البطولة الأغلى، فسارع عشّاق كرة القدم إلى البحث عن وسائل بديلة لمتابعة المباريات. تحوّلت صفحات «فايسبوك» إلى ساحة لتبادل الخبرات التقنية. ولم ينحسر نشاط هذه الصفحات مع تتويج المنتخب الألماني بلقب كأس العالم، بل استمرّ ليزوّد عشاق الرياضة بطرائق مختلفةٍ تمكنّهم من متابعة أقوى الدوريات العالمية خصوصاً الإنكليزي والاسباني، إضافةً إلى «بطولة الأندية الأوروبيّة»، والمؤهلة لنهائيات أمم أوروبا والّتي سوف تقام في فرنسا العام 2016 (وكلّها تحتكرها «بي إن» أيضاً).
يقول أحمد، صاحب أحد محلات سوق الديجتال في العاصمة دمشق: «يقترب سعر جهاز «بي إن سبورت» من 300 دولار، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف راتب أي موظّف في قطاعات الدولة. لم يعد سوق الشبكة القطرية رائجاً على الرغم من احتكارها لجميع البطولات العالمية». ويضيف: «أنا شخصياً أستعمل نظام Card sharing، إنه فعال تماماً». تبدو الطريقة الأخيرة مرغوبةً لدى مختلف شرائح الناس في سوريا. لن يكلّفك الأمر سوى شراء جهاز «رسيفر» نوعي لا تتجاوز قيمته 55 دولارا، يتمّ ربطه بشبكة «واي فاي» منزلية، لتتمكّن بعدها من مشاهدة مبارياتك المفضلة عبر أكثر من 100 قناة مكسورة الشيفرة. تُضاف إلى ذلك بعض القنوات المفتوحة أصلاً على القمر التركي والقمر الهولنديّ، لكنّ المشكلة تكمن في صعوبة التقاط إشارة هذين القمرين خارج حدود المنطقة الوسطى.
وفي سياق المنافسة يلمع اسم قناة «هوا» الأرضية، الّتي برزت خلال شهر المونديال كوسيلة بثّ غير شرعية للحدث العالمي، حيث تقوم القناة بربط صورةِ تلفزات أوروبيّة كثيرة مع الفضاء الصوتي لشبكة «بي إن سبورت»، لتقدّم لمشاهديها وجبة رياضية واسعة بالتعليق العربي بتكلفة لا تزيد على خمسة دولارات.
ربما يكون سلوك قناة «هوا» خارجاً عن أخلاقيات العمل الإعلاميّ، فهي اليوم متهمة بالقرصنة. لكنّ روبن هود الّذي كان يسطو على قوافل الأغنياء لإطعام فقراء غابة شيرود سُميّ «لصّاً» أيضاً.
رامي كوسا / السفير