في عيد المعلم يطيب الوفاء والتقدير، ومعهما يحلو التطلع إلى المراقي وإلى الغد الأفضل. هنا جوهر الرسالة التي تجنّد لها معلمات ومعلمون وارتضوا بأن يعززوها بالعلم والمثل الصالح والكلمة الحلوة ليبنوا المجتمع ويعطوا للأجيال الطالعة أسباباً لحبّ الحياة والجهاد لكي تكون لهم غنية بالمآثر والابداعات.
وكم هي رائعة هذه المناسبة! انها تجمع الأسرة التربوية لتعبّر عمّا في قلبها من فرح واعتزاز بإنسان يسهر ويتعب ويضحي لكي يرتاح تلامذته لغدهم ومستقبلهم.
أوليست الثقة هي التي تغني المسيرة التربوية لتأتي بالثمار الوافرة؟؟
إن عالمنا اليوم، وبخاصة في لبنان، مشتاق لمن يقدّم له “مبررات للحياة والرجاء” (فرح ورجاء 310). هنا يظهر دور المؤسسات التربوية التي تتعاون وتتضامن مع الذين واللواتي قبلوا أن يكونوا منشِّئين على قيم الحرية والحوار والمواطنة والانفتاح على الآخر وقبوله، فيما هم ينشئون على حب العلم والثقافة والفكر النقدي.
في تشرين الثاني الماضي انعقد في روما مؤتمر للاحتفال بخمسينية الوثيقة الصادرة عن المجمع الفاتيكاني الثاني: بيان في التربية المسيحية. حمل هذا المؤتمر العنوان التالي: “التربية اليوم وغداً، شغف يتجدّد”. وهل تستقيم تربية إذا لم يعتبر الناس ان “الدور الذي يقوم به المعلمون، هو رسالة أصيلة… وخدمة حقّة يؤدونها للمجتمع؟” (البيان، 8).
واليوم، تتلاقى في عيد المعلمات والمعلمين، هذه الطموحات الراقية التي تكتنز بها قلوبهم، مع الامال المعقودة عليهم. وكل ذلك من أجل “النهوض التربوي” المنتظر للإسهام بمواكبة العلم والإيمان مع جودة التعليم، لكي “ينوّر الإيمان المعرفة التدريجية التي يتلقاها التلامذة عن العالم والحياة والإنسان” (البيان، 8).
إن هذه المهمة التي يقوم بها المعلمات والمعلمون، هي فعلاً مهمة خطيرة ودقيقة ونبيلة، لأنهم يسعون من خلالها، وكما قال البابا فرنسيس، إلى مساعدة تلامذتهم على إقامة “التوازن بين الأمان والمخاطر”، لكي يحفزوهم على السير قدما في حياتهم الإنسانية والأخلاقية والعلمية، وعلى التطلع دوماً إلى فوق.
وكم يجدر بنا أن نقدّر رسالة هؤلاء الذين واللواتي نحتفي بعيدهم، لا لأنهم أساس التربية والتعليم وحسب، بل ولأنهم يعملون أيضاً، وكما قالت السيدة ايرينا بوكوفا، المديرة العامة للاونيسكو: “على نشر المعارف والكفايات بالإضافة إلى القيم، من أجل عالم أكثر عدالة وسلاماً وتسامحاً وتعمقاً ووثوقاً وثباتاً…” (منتدى الاونيسكو 2015).
أمام هذا الدور المسؤول والشريف الذي يتحمله المعلمون والمعلمات، ترانا في واقع يقلقنا لأن البعض يسيّس التربية ويطيّفها، ويسيّس حقوق الهيئة التعليمية والأسرة التربوية ويتاجر بها، وبالتالي، يحاول أن يزرع الشقاق ويزعزع الثقة. ولكن الذين يؤمنون بقضيتهم يدومون دائماً معاً.
ومع هذا، فهناك بعض البشائر والمبادرات التي تعزّز الرجاء، كالبدء بعملية تعديل المناهج مع ما يرافقها من محاذير، وكاللقاءات التي تتمّ بين أهل التربية والتعليم لانجاح السعي المشترك من أجل تحقيق المطالب العادلة والمتوازنة والممكنة ومن أجل ضمان حياة كريمة لمن تجاوزوا سن التقاعد، وكالمؤتمرات التي تنعقد هنا وهنالك لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي وتنظيم الدورات التدريبية الهادفة والدعوة لاحترام حرية التعليم وحق كل إنسان بالتعلّم…
هذه علامات رجاء في سنة نعيش فيها يوبيل الرحمة ونؤكّد من وحيها على دور مميز للمعلمين والمعلمات في تنشئة تلامذتهم “ليتحلوا بالحكمة واليقظة والنزاهة والشفافية… للوقوف بشجاعة بوجه الفساد الذي يمنع النظر برجاء إلى المستقبل… والذي يدمّر الحياة” (وجه الرحمة، 19).
فإلى جميع المعلمين والمعلمات كل التهاني بعيدهم، وكل الافتخار بأننا معاً، أسرة تربوية واحدة، نصنع السلام ونشهد للرجاء، ومعاً نبني العالم الأفضل، ولبنان “الحق والخير والجمال”.
الوسوم :بالعلم والمثل الصالح يبنون المجتمع بقلم الأب بطرس عازار