ملفات عدّة في قطاع الإعلام التونسي، تنتظر مَن ينفض عنها الغبار. أبرزها ملف الإشهار العمومي، بما يمثّله من دخل مالي قادر على مساعدة الصحافة المكتوبة، في تجاوز صعوباتها الماليّة. يقصد بالإشهار العمومي طلبات العروض والخدمات والبلاغات الصادرة عن الوزارات والمؤسسات العامّة، المنشورة على أعمدة الصحف التونسية، والذي لا يزال حكراً على مؤسسات دون غيرها.
بعد الثورة، تمَّ إلغاء العمل بوكالة الاتصال الخارجي التي كانت تنظّم الإشهار العمومي في البلاد، وتشكّل ذراع النظام السابق للهيمنة على وسائل الإعلام والتحكم في خطها التحريري. واليوم، تتساوى الصحافة الورقية في تونس مع الصحافة الإلكترونية في حالة الفوضى، وغياب الأفق، ومخاطر الإفلاس. ذلك ما جعل «الجامعة التونسية لمديري الصحف» تطلق صيحة خوف أمام ما تتعرّض له من مشاكل وصعوبات، قد تحول دون ديمومتها ومواصلتها لنشاطها الإعلامي. زادت بارتفاع عدد الصحف ما بعد الثورة. فقبل إسقاط بن علي، كان عدد الصحف محدوداً، في سوق محدودة. وبعد الثورة، تضاعف عددها بينما حافظ السوق على محدوديته. بعض الصحف يعمل التخفيض من الأسعار للاستفراد بسوق الإعلان، معتمدةً على رؤوس أموالها الضخمة ساعية بذلك إلى القضاء على بقية الصحف حديثة العهد. كلّ ذلك يطرح سؤال استفادة الصحف من الكعكة الإعلانيّة، من أجل البقاء.
ولتنظيم الإشهار العمومي بشكل يكفل منافسةً منصفة، وعد رئيس الحكومة مهدي جمعة «جامعة مديري الصحف»، في اجتماع معها، بإيجاد الحلول للمشاغل المهنية والهيكلية والتنظيمية والتشريعية، «لكن مع مراعاة الظروف التي تمرّ بها تونس حالياً». كما تمّ الاتفاق على إعداد كرّاس شروط نموذجي لتقديم مقاييس الحصول على الإشهار العمومي، وتحديد قيمته الماديّة لضمان توزيع عادل وشفاف.
في هذا الإطار، يقول رئيس الجامعة التونسية لمديري الصحف الطيب الزهار إلى أنّ الهدف من المفاوضات مع رئيس الحكومة، وقف توزيع الإِشهار بطرق غير شفافة، مشيراً إلى أنّ هذا المطلب كانت قد تقدمت به الجامعة منذ حكومة حمّادي الجبالي، ولكن لم يتم أخذه بعين الاعتبار.
على ضوء اللقاء الأخير مع جمعة، تمّ تشكيل لجنة مشتركة بين الحكومة وجامعة مديري الصحف، لبحث آلية لمساندة الصحافة المكتوبة، ومصادر تمويلها خارج ميزانيّة الدولة، وضبط مجال التصرّف فيها. كما تمّ الاتفاق على حذف القيمة المضافة على الورق، والتي كانت تودع من المؤسسات العمومية لدى المصارف، لتخفيف العبء المالي على الصحف.
التفاعل مع القرارات المتَّخذة تراوح بين الرضا والتوجس، إذ عبّرت رئيسة نقابة الصحافيين نجيبة الحمروني عن تخوّفها من مسألة تدخّل الأطراف المموّلة في الخط التحريري للصحف. بينما أجمع مديرو الصحف على أنّ بعث مجلس للصحافة هو الكفيل بتنظيم القطاع من خلال منحه دعماً مادياً لكل مجلة أو صحيفة تستحق ذلك، مؤكدين ضرورة مساعدة قطاع الصحافة المكتوبة والالكترونية. كما طالبوا بأن لا تبقى القرارات مجرّد حبر على ورق، لأنّ هذا القطاع استراتيجي وله انعكاسات على مستوى التشغيل، بالإضافة إلى أهميته في إنجاح الانتقال الديموقراطي.
رجاء يحياوي / السفير