القرار بطريركي كلداني، “مرسوم” نُشِر وعُمِّم على مختلف الابرشيات والرهبانيات المعنية، وأُعلِم به الفاتيكان. “وفقا للقوانين الكنسيّة والرهبانيّة، وبعد استشارة آباء السينودس الدائم، وبالانسجام مع مجمع الكنائس الشرقية والسياقات الرهبانية، نرسم الآتي :يُعدُّ الرهبان والكهنة المدرجة اسماؤهم موقوفين عن ممارسة الخدمة الكهنوتية”. وفي اللائحة، 6 رهبان و5 كهنة. وقع المرسوم تجاوز ارض العراق، ليبلغ أميركا وكندا واوستراليا واسوج… وكلّ من له اذنان. ثناء على بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل الاول ساكو، ترحيب وتقدير. ولكن ايضا تجريح قاس بحقه، وتحد له.
انها ساعة الترتيب الصعب في البيت الكلداني. للكنيسة “رئاسة جديدة، ولا تقبل التسيّب و”كل من إيدو إلو!”. التزام النظام من اهم مقتضيات الورشة التي تضع البطريرك ساكو في مواجهة ملفات داخلية. وفيها يؤثر كل الوضوح. “بعيداً من المجاملة والنسبيّة والرماديّة، تعتمد كنيسة اليوم اسلوب كشف الحقائق بكل شفافية للجميع، وليس طيّها، وذلك لتطلع الناس على الحقيقة وترسّخ الثقة بها. كلّ ما في الأمر متابعة ومحاسبة، بعيداً من مجرّد فرقعة إعلامية هابطة”، يقول في مرسومه.
باختصار، تتعلق القضية بكهنة “انفكوا” عن ابرشياتهم الاصلية و”اندمجوا” في ابرشيات في الخارج يخدمون فيها. وهناك ايضا رهبان “لا يسكنون في اديرة رهبانياتهم، في وقت لا يزالون يحملون اسمها، وبينهم من درس في الخارج وصَرفت عليه رهبانيته”. المطلوب اذًا ان “يعود الكهنة الابرشيون الى ابرشياتهم، وان يعود ايضا الرهبان ويعملوا على نهضة ديرهم. ينبغي احترام النظام والقانون وانهاء القضايا السائبة في الكنيسة الكلدانية”.
في رسالتين الى “الاخوة الرهبان خارج الدير والكهنة خارج القانون الكنسي” (22 ايلول و20 ت1)، الحّ البطريرك على ضرورة عودة “الفارين”، محذرا من “اتخاذ الإجراءات المناسبة اذا لم تعالج الأمور قانونيا”. ما كان يشغل باله كتبه في سطور ليقرأها الجميع. “المؤمنون العراقيون يحتاجون الى من يخدمهم في هذه الظروف الصعبة. معظم الابرشيات الكلدانية ينقصها كهنة. فلا يمكن قبول تقوية ابرشيات الخارج واضعاف الداخل. إذا كانت الكنيسة الام في الداخل قوية، فتبقى “الظهيرة” من اجل تعزيز ابرشيات الخارج”.
شهر مرّ قبل ان يُصدر البطريرك مرسومه في الموعد المحدد. وقد ضمّنه، الى اسماء الموقوفين عن الخدمة الكهنوتية، شكرًا لكاهن “قرّر العودة الى ديره واطاعة رؤسائه”، ولآخر “بعث برسالة الى مطرانه يخبره فيها بالعودة الى ابرشيته لتطبيع وضعه”. بالنسبة اليه، هدف المرسوم “وضع حدّ لخروج الكهنة غير القانوني من أبرشياتهم، اليوم وفي المستقبل”. وما رسمه “ليس إجراءً ضدّ أبرشية معينة. فهؤلاء الكهنة موجودون في أميركا وكندا واوستراليا واسوج”.
ويشرح المعاون البطريركي المطران شليمون وردوني لـ”النهار” ان “غاية البطريرك ان يكون النظام في الكنيسة مستتبا، وان تكون للكاهن حياة منظمة. حياة الكاهن يجب ان تكون صلاة وطاعة، ومن دونهما، لا تكون. لذلك طلب البطريرك من هؤلاء الرهبان والكهنة ان يرجعوا، لان في العراق كهنة مثلهم يعيشون. ويجب ان نكون اقوياء بالرب، وان نعطي المثال… واملنا الوحيد ان يستجيب الجميع لدعوة الرب اليهم”.
في طريق العودة، يعد البطريرك “الكهنة الأبرشيين باعادة النظر في معالجة وضعهم، في ما لو عادوا. وليس امام الرهبان سوى العودة الى ديرهم وتصحيح وضعهم قانونيا”. ويقول وردوني: “اذا عادوا بطرق نظامية، فهناك امكان للتنظيم ولحصول حوار واخذ وعطاء، وان نصل الى اتفاق كهنوتي الذي هو تضحية. المحبة المسيحية هي تضحية… ونأمل في ان تدخل نعمة الله قلوب الجميع، وتحوّلها بقوة الروح القدس، كي يحصل انسجام ووحدة”.
ما سبق المرسوم واعقبه، اجواء حملت ترحيبا وثناء، ولكن ايضا غيوما سوداء، بحيث ذهب عدد من الكلدان الى مهاجمة البطريرك على مواقع الكترونية، ردا على ما أسموه “عناوين مستفزة مهينة”. وابرز المعلقين على مرسومه، ابرشية مار بطرس في سان دييغو التي اعلنت “ان 9 من هؤلاء المشمولين بقرار البطريرك يخدمون فيها. وقد قدمنا استئنافاً رسمياً الى البابا فرنسيس، لئلا يحرم المؤمنين في أبرشيتنا من ينبوع النعم الكهنوتية التي يستحقونها، إسناداً الى القانون 16 من دستور الكنائس الشرقية”.
وبما ان “طلب الاستئناف يوقف تنفيذ المرسوم الى حين بتّ البابا هذا الطلب، استنادا الى القانون 1319″، اكدت الابرشية ان “الكهنة الـ9 ليسوا موقوفين، وسيستمرون في ممارسة الخدمات الكهنوتية وفقا للشرع”. بالنسبة الى نوئيل اسطيفو كوركيس، وهو احد “الرهبان”-الكهنة في الابرشية ممن طالهم المرسوم، “فان عودتي الى العراق قد تضع حياتي في خطر. كذلك، قد تتسبب بمشكلة للطائفة في اميركا، نتيجة تقليص عدد كهنتها. وقبل ان نسمع من الفاتيكان، ساواصل خدمتي الكهنوتية. فانا كاهن الى الابد”، تنقل عنه وسائل اعلام اميركية.
وعلى الفور، جاء رد اعلام البطريركية: “على الاسقف والكهنة الاذعان للمرسوم كما فعلت ابرشيات اخرى. واذا وُجِدت مظلومية، فيمكنهم التقدم بدعوى الى المحكمة الكنسية. ولكن لا يمكنهم الاحتفال بالاسرار الى حين تسوية اوضاعهم، وممارستهم لها تعدّ على القانون”. وتمنى على اسقف الابرشية “توجيه بعض كهنته الى احترام الرئاسة الكنسية، وعدم كتابة الفاظ معيبة، والصاق تهم برئاسة الدير والبطريرك”.
في الحملة على البطريرك، فظاظة، اتهامات، تحد. “لا، ليست تلك الطريقة صحيحة”، يقول وردوني. “بناء الكنيسة لا يكون الا بالمحبة والتواضع والتفاهم والتضحية. نطلب من الرب المخلّص الذي ضحّى بنفسه من اجل كلّ منا، ان يعيطنا القوة كي نعمل لخير الكنيسة وبنائها”. اما البطريرك، فقد اعلن “انني اغفرُ كل الكلام الجارح والمشين الذي وجهه اليّ بعضهم. سامحهم الرب الرحوم، يقينا انه لن يصحّ الا الصحيح”.
هالة حمصي / النهار