بمناسبة عيد شفيع الكهنة، القديس جان ماري فيانييه، المعروف باسم “خوري آرس”، نعيد نشر مقالة من أرشيفنا وموضوعها رسالة البابا بندكتس السادس عشر إلى الكهنة (عام 2009)، حيث يستشهد بشكل خاص بخوري آرس.
* * *
يستعرض الأب الأقدس في رسالته بمناسبة بدء السنة الكهنوتية بعض مراحل حياة خوري آرس، القديس جان ماري فياني، مستوحيًا منها شخصية وصورة كاهن المسيح الصالح.
يذكر البابا في حديثه عن بدء خدمة القديس في آرس أنه وصل القرية الصغيرة التي تضم 230 نسمة وأعلمه الأسقف أنه سيجد حالة دينية مؤقتة: “ليس هناك الكثير من محبة الله في هذه الرعية، لكنكم أنتم الذين ستضعونها فيها”.
كان يدرك كلياً واجب الذهاب إليها ليجسد فيها وجود المسيح مظهراً محبته الخلاصية: “إلهي، امنحني هداية رعيتي، وأنا موافق على المعاناة مما تريدونه لي كل أيام حياتي!”، بهذه الصلاة تحديداً استهل رسالته.
كرس الكاهن القديس ذاته لهداية رعيته بكل ما أوتي له من قوة، مولياً الاهتمام الأول للتنشئة المسيحية لشعبه الذي أوكل إليه
ويذكر كاتب سيرته الأول أنه “ما إن وصل حتى اختار الكنيسة لتكون مسكناً له… كان يدخل إلى الكنيسة قبل الفجر ولا يخرج منها إلا بعد صلاة التبشير الملائكي المسائية. لا بد من البحث عليه هنا، إذا كنا بحاجة إليه”.
تقييم دور العلمانيين
هذا وأسس جماعة تعنى باليتيمات، وخلق أخويات ودعا العلمانيين إلى التعاون معه. في هذا الإطار علق البابا على أهمية إشراك الكهنة العلمانيين في خدمة الكنيسة بمسؤولية إذ قال: “يدفعني مثاله إلى ذكر مجالات التعاون التي يجب أن نفتحها للمؤمنين العلمانيين الذين يؤلف الكهنة معهم الشعب الكهنوتي الواحد والذين يتواجد الكهنة وسطهم بسبب الكهنوت “من أجل إرشاد الجميع نحو الوحدة في المحبة، “محبين بعضهم بعضاً محبة أخوية، مفضلين بعضهم على بعض في الكرامة” (رو 12، 10)”.
وتابع: “في هذا السياق، لا بد أن نتذكر كيف شجع المجمع الفاتيكاني الثاني الكهنة على “إقرار وتعزيز كرامة العلمانيين وعملهم في رسالة الكنيسة… لا بد لهم من الإصغاء إلى العلمانيين مع أخذ رغباتهم بالاعتبار ومن خلال الإقرار بتجاربهم ومهاراتهم في مختلف مجالات النشاط البشري لكي يميزوا معهم علامات الأزمنة”.
قيمة القداس اللامتناهية
هذا وذكر البابا التقوى الذي كان يحتفل به القديس بالذبيحة الافخارستية، مذكرًا بأن القداس هو عمل الله بامتياز. وكان يقول: “إن كل الأعمال الصالحة لا تساوي ذبيحة القداس لأنها أعمال بشرية في حين أن القداس هو عمل الله”.
وكان القديس مقتنعاً أن حماسة حياة الكاهن تعتمد على القداس: “إن سبب فتور الكاهن يكمن في إهمال القداس! مع الأسف! إلهي! كم أن الكاهن جدير بالشفقة عندما يقوم بذلك كما لو كان شيئاً اعتيادياً!”.
سر التوبة
وبالحديث عن مزاولة خوري آرس لخدمة سر الاعتراف بحيث كان يقضي ما يزيد عن 16 ساعة يوميًا في كرسي الاعتراف قال الأب الأقدس: “يجب ألا يرضى الكهنة أبداً برؤية كراسي الاعتراف خالية وبالنظر إلى زوال محبة المؤمنين لهذا السر”. مذكرًا أن آرس أضحت نظرًا لخدمة سر الاعتراف التي كان يقدمها خوري آرس مطولاً كل يوم باتت تعرف بـ “مستشفى النفوس الكبير”.
وأوضح أن “في زمن الكاهن القديس في فرنسا، لم يكن الاعتراف أكثر سهولة وأكثر تواتراً من الزمن الحالي بالنظر إلى أن إعصار الثورة أخمد الممارسة الدينية خلال حقبة طويلة. ولكنه سعى بكافة الطرق: من خلال التبشير والسعي إلى الإقناع من خلال النصائح؛ إلى إرشاد أبناء رعيته إلى إعادة اكتشاف معنى وجمال سر التوبة الذي يعتبر شرطاً مرتبطاً بالحضور القرباني”.
عدوى القداسة والمحبة
وشرح البابا أن خوري آرس جذب المؤمنين إلى محبة الرب عبر مثاله وعبر محبته وصلاته فـ “من خلال مكوثه مطولاً في الكنيسة أمام بيت القربان، حث المؤمنين على التشبه به والقيام بزيارة يسوع وعلى التأكد من أن الكاهن موجود في الكنيسة ومستعد للإصغاء إليهم ومنحهم الغفران”.
وذكر الأب الأقدس أن الله هو البادئ في عمل المصالحة والمحبة مع الخاطئ مستشهدًا بما كان يقوله القديس: “ليس الخاطئ هو الذي يرجع إلى الله لطلب المغفرة، لا بل أن الله عينه هو الذي يبحث عن الخاطئ ليرده إليه”.
وقال بندكتس السادس عشر: “كان كاهن آرس قادراً على تبديل قلوب وحياة الكثيرين لأنه نجح في جعلهم يدركون محبة الرب الرحيمة. إن زماننا الحاضر بحاجة ماسة هو أيضاً إلى إعلان مشابه عن حقيقة المحبة وشهادة مماثلة عنها: الله محبة”.
روح الإماتة
ولم يتردد البابا في الحديث عن روح الإماتة الذي كان يتحلى به كاهن آرس، موضحًا بذلك أن الإماتة ليست أمرًا أكل عليه الزمن وشرب، بل هو واقع يدعى الكاهن اليوم أيضا إلى عيشه. فالقديس جان ماري لم يكن يتردد في فرض إماتات على نفسه من أجل خير النفوس التي أوكلت إليه ومن أجل المساهمة في التكفير عن الخطايا الكثيرة التي كان سمعها خلال الإعتراف. وكان يوضح لأخ في الكهنوت قائلاً له: “سأطلعك على طريقة عملي. أطلب من الخاطئين تكفيراً ضئيلاً وأنا أهتم بالباقي”.
د. روبير شعيب / زينيت