ترأس راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، لمناسبة يوم المريض العالمي الثالث والعشرين، قداسا احتفاليا في كنيسة سيدة لورد في بلدة كفردلاقوس في قضاء زغرتا، عاونه فيه النائب العام على الابرشية المونسنيور بطرس جبور، وخادم الرعية المونسنيور يوسف نضيره، ولفيف من كهنة الابرشية، في حضور حشد من المؤمنين.
بعد الانجيل ألقى بو جوده عظة قال فيها: “سنة 1992 أعلن البابا القديس يوحنا بولس الثاني، الحادي عشر من شباط من كل سنة، وهو عيد ظهور العذراء للقديسة برناديت سوبيرو في لورد، يوما عالميا للمريض. وجرت العادة أن يصدر قداسة البابا كل سنة في هذه المناسبة رسالة يعلن فيها أن المرض ليس عقابا من الله، وأن الألم هو، ويجب أن يكون، ألما خلاصيا يستطيع المريض بواسطته أن يتقدس ويتنقى ويتطهر كما يتنقى التراب ويتطهر بالنار، فيخرج منه الذهب الرنان. وفي هذه المناسبة أصدر قداسة البابا فرنسيس هذه السنة رسالة بعنوان: كنت عينا بصيرة للأعمى ورجلا صحيحة للأعرج”. وهو مستقى من سفر أيوب في الفصل التاسع والعشرين الآية 15″.
أضاف: “سفر أيوب هذا، هو من كتب الحكمة في الكتاب المقدس، يتكلم عن لغز الألم غير العادل وعن حل مشكلة الشر دون شك، لكنه بالأحرى محاولة الإنسان المحتار لتحديد موقفه من الله القدوس القدير. في هذا الكتاب مقدمة نثرية تروي لنا أن بطل الرواية أيوب، الرجل الغني، يصاب ببلايا فجائية لا تفسير لها، ويحافظ مع ذلك على ثقته التامة بالرب ولا يقبل أن يجدف عليه، بل يكرر القول أمام كل المصائب التي حلت به، عريانا خرجت من جوف أمي وعريانا أعود إليه. الرب أعطى والرب أخذ، فليكن إسم الرب مباركا (1/12). ويجيب زوجته التي قالت له: أإلى الآن أنت متمسك بكمالك؟ جدف على الله ومت، فيقول لها: إنما كلامك كلام إحدى الحمقاوات، أنقبل الخير من الله ولا نقبل منه الشر؟(2/10). ويدور حوار بين أيوب الإنسان الأبي الثائر وثلاثة من أصدقائه، وهم حكماء نموذجيون من الشرق القديم، ثم حوار شعري بين الرب وأيوب (38/1 – 42/6)، يليه خاتمة نثرية يستعيد فيها البطل عافيته وثروته وسمعته وأولادا أخيرا، ثم يموت وقد شبع من الأيام، على مثال الآباء (42/7-17).
وفي الفصل التاسع والعشرين من الكتاب، وفي خاتمة الحوار مع أصدقائه يحاول أيوب الدفاع عن نفسه فيقول: كنت أنجي المسكين المستغيث واليتيم الذي لا معين له، فتحل علي بركة المائت وأجعل قلب الأرملة يتهلل. لبست البر فكان لباسي وكان حقي حلة وتاجا لي، كنت عينا للأعمى ورجلا للأعرج، وكنت أبا للمساكين، أستقصي قضية من لم أعرفه وأحطم أنياب الظالم وأنزع فريسته من بين أسنانه (29/12-17)”.
وتابع: “يقول البابا فرنسيس إن هذا الكلام ما هو إلا حكمة القلب التي ليست مجرد معرفة نظرية مبهمة، بل هي كما يقول القديس يعقوب في الفصل الثالث من رسالته “حكمة نازلة من فوق، طاهرة قبل كل شيء، مسالمة متسامحة وديعة، تفيض رحمة وعملا صالحا، لا محاباة فيها ولا نفاق (يع 3/17). حكمة القلب تعني خدمة الأخ، خدمة المحتاج، من قبل الإنسان العادل والصالح الذي يتمتع بسلطة معينة ومركز مهم من ضمن كبار المدينة. مكانته المعنوية تظهر في خدمة الفقير الطالب للخدمة، وأيضا باعتنائه بالأرملة واليتيم (29/12-13). مسيحيون كثيرون اليوم يشهدون في زمننا هذا، يقول البابا، لا من خلال الأقوال، بل إنطلاقا من حياتهم المتجذرة في إيمان حق، ليكونوا عينا بصيرة للأعمى ورجلا صحيحة للأعرج”.
وقال: “حكمة القلب هي في أن نكون مع الأخ، فالوقت الذي نكرسه بقرب المريض هو زمن مقدس يجعلنا على صورة إبن الله الذي” أتى ليخدم لا ليخدم، ويعطي حياته فداء عن الجميع (متى 20/28)”.
وأضاف: “إننا نطلب من الروح القدس بإيمان حار، أن يعطينا نعمة فهم قيمة المرافقة التي هي في أكثر الأوقات صامتة والتي تقودنا إلى تكريس وقت لهؤلاء الإخوة والأخوات (المرضى) الذين، بفضل قربنا، وحناننا يشعرون بأنهم محبوبون ومرتاحون أكثر. حكمة القلب، يضيف البابا، هي الخروج من الذات في اتجاه الأخ. فعالمنا ينسى أحيانا القيمة المميزة للوقت الذي نمضيه بالقرب من سرير مريض، لأننا مدفوعون غالبا، بالعجلة والعمل المسعور وبالإنتاج، وننسى بعد المجانية وعمل الرعاية وتحمل مسؤولية الآخر. فخلف هذا الموقف يتلطى أحيانا إيمان فاتر متناس لكلمة الرب الذي يقول: كل ما فعلتموه لإخوتي هؤلاء الصغار، فلي أنا قد فعلتموه (متى 25/40). حكمة القلب هي أيضا في التضامن مع القريب، بدون إدانته، والمحبة بحاجة إلى الوقت للعناية بالمرضى، وإلى وقت لزيارتهم. إلى وقت نكون بقربهم كما فعل أصدقاء أيوب، لكنهم في الواقع يخفون حكما سلبيا بحقه، يفكرون أن بؤسه هو عقاب من الله. بينما المحبة الحقة هي مشاركة لا تدين ولا تدعي تغيير الآخر. إنها محررة من هذا التواضع المزيف الذي، في عمقه، يبحث عن المديح ويسر بالخير المنجز. فإختبار أيوب لا يجد جوابه الحقيقي إلا في صليب المسيح، الفعل الأسمى لتضامن الله معنا بكل مجانية وبرحمة كلية”.
وختم: “البابا فرنسيس، يدعونا الى التأمل في هذا الكلام وعيشه عمليا في علاقتنا مع مرضانا وجميع المرضى، فنسعى الى أن نكون عينا للأعمى ورجلا للأعرج في هذه السنة التي تنظم فيها اللجنة الوطنية لوهب الأعضاء مع جامعة القديس يوسف مؤتمرا بعنوان “وهب الأعضاء والمسؤولية الدينية”، لتشجيع الخير والتضامن الإنساني الذي لا يكلف إلا النية الصادقة والخير أمام الله والناس.
ويختم قداسة البابا رسالته بدعاء إلى العذراء مريم التي يضع هذا اليوم العالمي للمريض تحت رعاية أمومتها، ويقول: “يا مريم، يا عرش الحكمة، تشفعي، كأم لنا بكل المرضى وبهؤلاء الذين يعتنون بهم. إجعلي، إنطلاقا من خدمة القريب المتألم، ومن خلال خبرة الألم بذاته، أن نستطيع أن نستقبل وننمي فينا حكمة القلب الحقيقية”.
وطنية