ترأس رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جودة القداس الاحتفالي الذي أقيم في كنيسة مار يوسف – ضهر العين، يعاونه كاهني الرعية في حضور لفيف من الكهنة.
بعد قراءة الانجيل المقدس، ألقى المطران بو جودة عظة قال فيها :”لما سكن الملك داوود في قصره، بعدما إستقر الملك في يده، قال للنبي ناتان:” أنا مقيم في قصر من أرز، بينما تابوت عهد الرب مقيم في خيمة. فأجابه ناتان: إفعل كل ما في بالك لأن الرب معك”. (أخبار الأيام الأولى 17/1-2).لكن في تلك الليلة قال الرب لناتان: قل لعبدي داود: أنا الرب سأبني لك بيتا وأقيم لك نسلا. وإذا إنتهت أيامك ورقدت مع آبائك، أقمت خلفا لك من نسلك الذي يخرج من صلبك، فهو يبني بيتا لإسمي وأنا أثبت عرش ملكه إلى الأبد، أنا أكون له أبا وهو يكون لي إبنا، ويكون نسلك وملكك ثابتين على الدوام(فصل17/10-13)”.
أضاف :”البيت الذي وعد الله داود بأن يبنيه له هو عائلته التي منها سيولد المسيح المخلص، والذي سيكون كما يروي لنا القديس متى في الفصل الأول الذي يقول:” نسب يسوع المسيح إبن داود، إبن إبراهيم”.
أضاف :”البيت الذي وعد الله داود بأن يبنيه له هو عائلته التي منها سيولد المسيح المخلص، والذي سيكون كما يروي لنا القديس متى في الفصل الأول الذي يقول:” نسب يسوع المسيح إبن داود، إبن إبراهيم”.
شرعيا سيكون يسوع إبنا ليوسف إبن داود كما قال الملاك لهذا الأخير عندما ظهر له في الحلم ليوضح له سر حبل مريم خطيبته قبل أن يسكنا معا. مشيرا ان يوسف هو من بيت داود، القبيلة التي منها أراد الله أن يولد إبنه الوحيد. وقد إختاره الله ليعطي الإسم الرسمي ليسوع ولكي يعطيه الشرعية القانونية، ولكي يكون بالتالي رب العائلة المقدسة، زوجا شرعيا لمريم ومربيا لإبن الله الوحيد”.
وتابع :”رسميا كان يوسف إذن أبا ليسوع، والأبوة لا تقوم فقط على الأبوة الجسدية، بل هناك ما يمكننا أن نسميه الأبوة المسؤولة، التي بموجبها يتحمل الأب مسؤولية العائلة، إن من الناحية المادية أو من الناحية الإجتماعية. فالأب هو الذي يهتم بتنشئة الأولاد وتربيتهم ومرافقتهم في مختلف مراحل نموهم، ويساعدهم ويرشدهم ويهديهم سواء السبيل.
وقد قام يوسف بهذه المهمة وبهذه المسؤولية على أكمل وجه، إذ أنه حافظ على الطفل الإلهي، وحماه من الأخطار والصعوبات، فهرب به إلى مصر من وجه هيرودس، ثم عاد به إلى الناصرة وهناك إهتم بتأمين ضروريات الحياة له ولوالدته العذراء مريم، من خلال عمله في مهنة النجارة التي شاركه فيها يسوع إلى درجة أن الناس كانوا يعرفون عنه بأنه إبن يوسف النجار. معلوماتنا عن القديس يوسف قليلة لكن الذي نعرفه عنه كان ليكون مجالا لنا للتأمل في ما تميز به من خلال تحمله المسؤولية الكبرى التي ألقاها عليه الله عندما جعله ربا للعائلة المقدسة ولذلك نتوقف اليوم، بمناسبة عيده، للتأمل في أهمية العائلة، وفي المخاطر التي تتهددها في مجتمعنا المعاصر الذي فقدت فيه، في الكثير من البلدان، أهمية دورها وأهم مقوماتها، إلى درجة التلاشي الكلي تقريبا”.
وقال :”إن العائلة هي الخلية الأولى في المجتمع، وهي المدماك الأساسي الذي بوجوده جنبا إلى جنب مع غيره يكون الأساس لبناء المجتمع البشري. إنها الكنيسة البيتية المصغرة والمجتمع المصغر الذي يشكل سيبة من ثلاثة أرجل هي: الرجل والمرأة والطفل، إذ أن علاقة المحبة التي تجمع بين الرجل والمرأة تكون ثمرتها العادية الطفل الذي يعتبر استمرارا لوالديه. والعائلة تبنى على الحب بمعناه الصحيح، غير المشوه، الحب الذي هو عطاء. عطاء الذات للآخر، عطاء الرجل نفسه للمرأة، وعطاء المرأة نفسها للرجل لتكون ثمرة هذا العطاء وهذا الحب كيانا آخر هو الطفل الذي يجمع في شخصه البشري أهم الصفات التي يتميز بها الأب والأم، إن على الصعيد الجسدي أو على الصعيد الإجتماعي والروحي. هذا الحب، بمعناه الصحيح ليس تملكا للآخر ولا سيطرة عليه ولا هو سحق لشخصيته ولمحوها، بل على العكس تماما، إنه عطاء بلا حدود على مثال المسيح الذي قال: إنه ليس من حب أعظم من حب من يعطي نفسه للآخرين”.
واوضح “المجتمع الناجح هو المجتمع الذي يحافظ على هذه الحقائق البديهية والتي ما زالت العائلة فيه مترابطة ومتحدة، والتي تؤمن للأولاد البيئة الصالحة والجو الملائم لكي ينموا نموا صالحا ومتناسقا، لأن العائلة هي التي تربي الإنسان في الإنسان لكي يبلغ هذا الإنسان ملأه. إننا اليوم، إذا ألقينا نظرة ولو سريعة على واقع العائلة في المجتمع المعاصر فإننا نجد أنها تمر بأزمة خطيرة جدا، وهي مهددة في الكثير من البلدان بالإنهيار الكلي، كي لا نقول إنها إنهارت بالفعل ولم يعد له أي وجود، وذلك بسبب الخلل الذي يمر فيه ما هو أساسي لبنائها، وهو الزواج. ذلك أن مفهوم الزواج قد شوه إلى درجة فقد فيها أهم مقوماته، التي وضعها الله في الكتاب المقدس عندما خلق الإنسان حيث قال:” يترك الرجل أباه وأمه ويلزم إمرأته فيكونان كلاهما جسدا واحدا، وما جمعه الله لا يفرقه إنسان”.
أضاف :”هذا ما ذكر به السيد المسيح في الإنجيل بحسب القديس متى، في جوابه على السؤال الذي طرِح عليه عن إمكانية الطلاق حيث قال:” إذا كان موسى قد رخص لكم في طلاق نسائكم من أجل قساوة قلوبكم، ولم يكن الأمر هكذا منذ البدء. في مجتمعنا المعاصر، وفي الكثير من البلدان، لم يعد للعائلة وجود على الإطلاق، ليس فقط بسبب آفة الطلاق، بل خاصة بسبب عدم الفهم الحقيقي لمعنى الزواج كسر يتقدس فيه الإنسان، إذ صارت العلاقة بين الرجل والمرأة في الكثير من المرات، مجرد علاقات عابرة وتساكن حر، يعيش فيه الرجل والمرأة معا من دون أي رباط، حتى الرباط المدني، ولفترة من الزمن قد تطول أو تقصر ثم يذهب كل واحد في طريقه ليبني علاقة عابرة أخرى مع شخص آخر أما ثمار هذه العلاقات أي الأطفال، فيعيشون في ضياع كامل، إذ لا يعود عندهم أي أمر ثابت: لا أب ولا أم يهتمان بتربيتهم على القيم والأخلاق الحميدة، بل يقتصر دورهم، هذا إذ وجد فعلى تأمين الأمور المادية لهم، ومن ثم تركهم يتدبرون أمرهم بأنفسهم فيعيشون تائهين يحاولون أن يجدوا معنى لحياتهم فلا يجدونه فيلجأون إلى ممارسات مخالفة للطبيعة وللأخلاق، ويحاولون معالجة هذا الواقع باللجوء إلى المخدرات وإلى ممارسة الجنس دون أي رادع، وقد يصل الأمر بهم مرات كثيرة إلى إرتكاب الجرائم وإلى الإنتحار”.
وأكد أن “الأخطر من ذلك هو ما وصلت إليه بعض البلدان والتي صارت تطالب به بلدان أخرى وهو تشريع زواج مثليي الجنس والسماح لهم بتبني الأولاد. وهذا ما يذكرنا بما يرويه الكتاب المقدس عن مدينتي صادوم وعامورة اللذين أمطر الرب عليهما كبريتا ونارا ودمرهما عندما تماديا في خطيئتهما ولم يتقيدا بتعليم الرب. ان الكنيسة وعت خطورة هذه الممارسات وهي تحاول معالجتها من خلال ندوات وإجتماعات ومجامع تعقدها كما تدعو إلى ذلك خاصة هذه السنة إذ أن قداسة البابا دعا إلى عقد مجمع خاص للأساقفة في تشرين الأول القادم ليعالج موضوع العائلة والزواج. وقد مهد لذلك في الإجتماع الذي عقده مع الكرادلة في شهر شباط الماضي عندما إحتفل بترقية إثنين وعشرين أسقفا إلى درجة الكردينالية. كما أن السلطة الكنسية قررت منذ سنوات دعوة المقبلين على الزواج للمشاركة في دورات تدريبية تحضيرا لهذا الحدث المهم في حياتهم، لتساعدهم على فهم المعنى الصحيح للزواج والتقيد بما تمليه عليهم الكنيسة.
ليس في الوصف الذي أعطيناه عن الواقع الذي تعيشه العائلة اليوم أمر تشاؤمي بل إنه في الواقع المرير، لسوء الحظ، ولذلك فإننا بحاجة إلى أشخاص مثل القديس يوسف، يتميزون بالحكمة والرصانة والإيمان والمحبة، ويتميزون خصوصا بنعمة الإصغاء إلى ما يطلبه منهم الرب، كي يعملوا كمقتضاه، فيصح فيهم ما يقوله الإنجيل عن العذراء مريم والقديس يوسف، إنهما سمعا كلام الرب وعملا بمقتضاه”.
وختم بوجودة :”فلنطلب اليوم من الرب بشفاعة القديس يوسف أن يعطينا آباء على مثاله يعرفون قيمة العائلة ويهتمون بها كي نستطيع الحفاظ على مجتمعنا وحمايته من الإنهيار ويعرفون كيف يحترمون الآخرين فلا يتسببون بخلق جو من التشكيك حولهم، بل يبنون كل تصرفاتهم على الإقتداء بالقديس يوسف الذي كان مثالا للآباء والأزواج والمربين.آمين”.
وختم بوجودة :”فلنطلب اليوم من الرب بشفاعة القديس يوسف أن يعطينا آباء على مثاله يعرفون قيمة العائلة ويهتمون بها كي نستطيع الحفاظ على مجتمعنا وحمايته من الإنهيار ويعرفون كيف يحترمون الآخرين فلا يتسببون بخلق جو من التشكيك حولهم، بل يبنون كل تصرفاتهم على الإقتداء بالقديس يوسف الذي كان مثالا للآباء والأزواج والمربين.آمين”.
وطنية