ترأس راعي ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، لمناسبة عيد سيدة المراحم، قداسا احتفاليا في مزار سيدة ام المراحم في بلدة مزياره في قضاء زغرتا، عاونه فيه خادم المزار الخوري جان صعب ولفيف من كهنة الابرشية، فيما حضره حشد واسع من ابناء البلدة ومن كل لبنان.
العظة
بعد الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها: “أنطلق في تأملي بهذه المناسبة من نشيد العذراء مريم في بيت زكريا وأليصابات، وبعد أن طوبتها أليصابات وقالت لها: من أين لي هذا أن تأتي إلي أم ربي”. فبكل تواضع وقبول بما قاله لها الملاك قالت مريم: أنا آمة الرب، فليكن لي بحسب قولك، وبمثل هذا التواضع قالت: تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلى تواضع أمته. فإن رحمته من جيل إلى جيل للذين يتقونه، لأنه كشف عن شدة ساعده فشتت المتكبرين بأفكار قلوبهم وحط الأقوياء عن العروش ورفع المتواضعين. أشبع الجياع من الخيرات والأغنياء صرفهم فارغين، عضد إسرائيل عبده ذاكرا رحمته كما قال لآبائنا منذ القديم”.
اضاف: “يقول قداسة البابا فرنسيس في مرسوم الدعوة إلى يوبيل الرحمة أن الفكر يتجه إلى مريم أم الرحمة، ليرافقنا نظرها العطوف في هذه السنة كي نتمكن من إعادة إكتشاف فرح حنان الله، لأنه ما من أحد كمريم قد عرف عمق سر الله الذي صار إنسانا، ولأن كل شيء في حياة مريم قد طبع بحضور الرحمة التي صارت بشرا، وإن العذراء، إذ اختيرت لتكون أما لإبن الله المتجسد قد حفظت في قلبها الرحمة الإلهية بتناغم كامل مع إبنها يسوع، الذي هو وجه رحمة الآب. ونشيد التسبيح عند عتبة بيت أليصابات قد كرِّس للرحمة الإلهية التي تمتد من جيل إلى جيل (لو1/50). وإننا نحن أيضا كنا حاضرين في تلك الكلمات النبوية للعذراء مريم، وسيكون ذلك عزاء وعضدا لنا في هذه السنة المقدسة خاصة عندما نعبر الباب المقدس لإختبار ثمار الرحمة الإلهية”.
وتابع: “عندما كان يسوع يتألم في جسده على الصليب ويتحمل اللقاء المأساوي بين خطيئة العالم والرحمة الإلهية إستطاع أن يرى عند أقدام الصليب أمه وصديقه المؤاسي يوحنا الحبيب، فقال لأمه هوذا إبنك وقال ليوحنا هي ذي أمك، وهي عبارة تعلن سر رسالته الخلاصية، وتؤكد أننا كنا نحن أيضا حاضرين في تلك الكلمات النبوية، لأن مريم عند الصليب كانت شاهدة، مع يوحنا الحبيب على كلمات المغفرة الخارجة من شفتي يسوع، المغفرة الأسمى لمن صلبه والتي تظهر لنا إلى أي مدى تستطيع رحمة الله أن تصل. فإن مريم تشهد على أن رحمة إبن الله لا تعرف حدودا وهي تبلغ الجميع دون إستثناء أحد. أما علامات الرحمة في حياة مريم فنكتشفها من خلال قراءتنا بتأمل للمقاطع التي تتكلم عنها في الإنجيل في حياة يسوع العلنية، إذ تظهر لنا على أنها الصديقة الساهرة دوما كي لا ينقص الخمر في حياتنا. وهي التي طعن قلبها بحربة، كما قال لها سمعان الشيخ عندما قدمت إبنها للرب في الهيكل، وهي التي تفهم كل هموم الإنسان. وبصفتها أما للجميع، فإن مريم هي علامة رجاء للشعوب التي تعاني آلام المخاض إلى أن تولد العدالة وهي تشارك في تاريخ كل شعب تقبل الإنجيل فأصبحت جزءا من هويته التاريخية”.
وقال:” تكريم الكنيسة المميز للعذراء مريم يدخل في هذا الإطار ولذلك ندرك كيف أن مريم في المعابد المريمية في مختلف بلدان العالم تجمع حولها أبناء يسيرون بجهد كبير حجاجا ليروها، فهناك يجدون قوة الله كي يتحملوا أوجاعهم ومتاعب الحياة. إننا مع مريم مدعوون في هذه السنة اليوبيلية المقدسة كي نكون على مثالها رحماء تجاه جميع إخوتنا البشر، إن على الصعيد المادي أو على الصعيد الروحي، فنوقظ ضميرنا الذي ينزلق غالبا إلى السبات في وجه مأساة الفقراء وبالغوص أكثر في قلب الإنجيل حيث الفقراء هم المفضلون لدى الرحمة الإلهية. وهم أسيادنا ومعلمونا كما يقول القديس منصور دي بول. وهم الذين رفعهم الله وأشبعهم من الخيرات بينما حط المقتدرين عن الكراسي وصرف الأغنياء فارغين كما قالت العذراء. وأن عظات يسوع وتعاليمه تقدم لنا أعمال الرحمة هذه كي نفهم إذا كنا نعيش على غرار تلاميذه. فأعمال الرحمة الجسدية التي يدعونا المسيح للقيام بها هي إطعام الجائعين وإسقاء العطشانين، وكساء العراة، وإستقبال الغرباء، والإعتناء بالمرضى وزيارة المسجونين ودفن الموتى، والإهتمام بما يحتاجه الآخرون، على مثال ما قامت به مريم في عرس قانا الجليل، عندما قالت لإبنها ليس عندهم خمر. فغير ساعته التي لم تأتي بعد، وحول الماء إلى خمر، لإخراج العروسين من المأزق الذي وجدا فيه”.
وختم:” أما أعمال الرحمة الروحية فهي في نصح الشاكين وتعليم الجهال وتحذير الخطأة وتعزية المحزونين ومغفرة الإساءة وتحمّل الأشخاص المزعجين والصلاة من أجل الأحياء والأموات. مريم العذراء سمعت وعاشت تعاليم إبنها في كل ما يتعلق بكل هذه الأمور، ولذلك إستحقت منه الطوبى الحقيقية جوابا على تهنئة إحدى النساء لها لأنها حملته في بطنها وغذته بلبنها، فقال: بل الطوبى لها لأنها سمعت كلام الله وعملت به. في هذه السنة اليوبيلية فلنقتد، أيها الأحباء، بمريم ولنكتشف وجه الرحمة الإلهية في مدرستها ولنقل معها: تعظم نفسي الرب ولتبتهج روحي بالله مخلصي”.
وكان سبق القداس الاحتفالي ريسيتال ديني احيته جوقة سانتا ماريا بقيادة توفيق بركات، واكثر من خمسة وعشرين عازفا ومرنما، انشدوا على مدى ساعة ونصف تراتيل دينية، واغاني وصلوات مجدت مريم، وتضرعت لها.
وفي الختام انطلقت المفرقعات النارية كما في كل عام وأضاءت سماء المنطقة بالوانها البراقة، وتناول الجميع من هريسة العيد.
وطنية