احتفلت أبرشية طرابلس المارونية بسيامة الشماس جورج إسحاق كاهنا، بوضع يد راعي الأبرشية المطران جورج بو جوده، خلال قداس ترأسه في كنيسة القديس ماما في بلدة كفرحاتا في قضاء زغرتا، وعاونه النائب العام على أبرشية طرابلس المارونية الخوراسقف أنطوان مخايل، النائب الخاص لشؤون الزواج والعائلة الخوري يوحنا مارون حنا، مرشد الدعوات في الأبرشية الخوري مرسال نسطه، والكهنة قيصر إسحاق، بطرس إسحاق، وعزت الطحش، بمشاركة لفيف من كهنة الأبرشية. وخدمت القداس جوقة قاديشا برئاسة الأب يوسف طنوس.
حضر القداس عائلة الكاهن الجديد، وحشد من ابناء الرعية.
بعد الإنجيل المقدس ألقى بو جوده عظة قال فيها لاسحاق: “تتم سيامتك الكهنوتية اليوم ونحن نحتفل بعيد العذراء البريئة من الخطيئة الأصلية والحبل بها بلا دنس، وهي التي اختارها الله لتكون حواء الجديدة التي بواسطتها، وبإعطائنا المسيح مخلصا لنا وفاديا يعود فيفتح لنا أبواب الفردوس. وإننا على مشارف الإحتفال بعيد الميلاد المجيد، عيد مولد المسيح الكلمة، الفادي والمخلص، وأنا سعيد أن أرقيك، أيها العزيز جورج، إلى الدرجة الكهنوتية بعد سنوات من الدرس والإختبار الرعوي والرسولي، وأنت إبن عائلة مسيحية ملتزمة أعطت الكنيسة كاهنا قبلك هو أخوك الخوري بطرس الذي سيكون عرابك في الكهنوت اليوم”.
أضاف: “فالميلاد هو حقيقة لآهوتية أساسية من حقائق إيماننا المسيحي، هي حقيقة التجسد والإيمان بأن الطفل الذي نحتفل بولادته هو في الوقت عينه إله وإنسان. إنه إبن الله وصورته الذي لم يعد مساواته لله غنيمة، كما يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيليبي، بل تجرد من ذاته متخذا صورة العبد، وصار على مثال البشر، وظهر في هيئة إنسان (فيليبي2/6-7).
إنه كلمة الله المتجسد الذي قال فيه يوحنا الرسول في فاتحة إنجيله إنه كان في البدء لدى الله، وبه كان كل شيء وبدونه ما كان شيء مما كان، إذ فيه كانت الحياة والحياة نور الناس، والنور يشرق في الظلمات ولم تدركه الظلمات(يو1/2-5). وهو الكلمة الذي صار بشرا فسكن بيننا فرأينا مجده، مجدا من لدن الآب لإبن وحيد ملؤه النعمة والحق(يو1/14)”.
وتابع: “الميلاد هو التنفيذ العملي لوعد الله الخلاصي لأبوينا الأولين بأنه سوف يرسل لنا مخلصا مولودا من إمرأة ليرمم صورة الله فينا بعد أن إبتعدنا عنه ورفضناه وحاولنا أن نجعل من أنفسنا آلهة لأنفسنا.
هذا المخلص، يسوع المسيح، هو في الوقت عينه إبن الإنسان، إنه إبن سلالة بشرية أعطانا إياها، ولو بصورة مختلفة في الأسماء، القديسان متى ولوقا في إنجيليهما. فمتى أعطانا سلالة المسيح البشرية إبتداء من إبرهيم حتى يوسف ومريم مرورا بداود ليؤكد لنا أن يسوع هو إبن داود وإبن إبرهيم وهو الذي تكلم عنه الأنبياء. ولوقا إنطلق من يسوع إلى داود وإبرهيم إلى آدم ليؤكد لنا أنه جاء مخلصا لجميع الأمم والشعوب وليس فقط لشعب واحد هو الشعب اليهودي.
إنجيلا متى ولوقا يتكاملان مع إنجيل يوحنا كي يؤكدوا لنا كلهم حقيقة أساسية من حقائق إيماننا المسيحي هي عقيدة من العقائد الإيمانية الثلاث التي يرتكز عليها إيماننا المسيحي، وهي ما نسميه سر التجسد الإلهي. وهذا هو العيد الذي نحتفل به بإحتفالنا بعيد الميلاد، إذ أن الميلاد بالنسبة لنا ليس مجرد ذكرى عابرة نحتفل بها كما نحتفل بأعيادنا البشرية، ثم نطوي صفحتها لنعود فنحتفل بها بعد مرور سنة من الزمن، إنها حدث دائم. حدث إتحاد الطبيعتين الإلهية والإنسانية، أي بكلام آخر تأليه الإنسان أي عودته إلى مصدره الأول الذي خلقه الله عليه إذ نفخ فيه روحه وجعله على صورته ومثاله”.
واستطرد: “لهذه الحقيقة الإيمانية نحن مدعوون للشهادة، كمسيحيين. وللعمل على نشرها وتعليمها نحن مدعوون ككهنة إختارنا المسيح لنتابع رسالته الخلاصية. فصحيح أننا جميعا، كمعمدين نشارك في كهنوت المسيح العام الذي نسميه كهنوت العلمانيين، ولكن الصحيح أيضا هو أنه إختار البعض منا لنكرس حياتنا لخدمته وخدمة إخوتنا البشر بواسطة سر الكهنوت الذي نناله بوضع يد الأسقف إذ يفرزنا ويقول لنا: لستم أنتم إخترتموني، بل أنا إخترتكم وأقمتكم لتنطلقوا فتثمروا ويبقى ثمركم، فيعطيكم الآب كل ما تسألونه بإسمي(يو15/16). وهو الذي يقول لنا ما قاله للرسل قبل أن يغادرهم ويصعد إلى السماء: إني أوليت كل سلطان في السماء والأرض، فإذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم بإسم الآب والإبن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا ما أوصيتكم به، وها أنذا معكم طوال الأيام إلى نهاية العالم (متى28/18-20)”.
وأردف قائلا لاسحاق: “إلى هذا الكهنوت، كهنوت الخدمة، دعيت أنت أيضا أيها العزيز جورج، إذ إختارك الرب لتكون في خدمته وخدمة إخوتك البشر، والكاهن، وبصورة خاصة كاهن الرعية يسمى خادم الرعية، وليس في ذلك تحقيرا لدوره بل على العكس لأن الخادم، بالمفهوم الكتابي، هو رجل الثقة الذي يكلفه رب العمل بالمهمات الدقيقة والصعبة. وقد تنشأت روحيا ولاهوتيا ورعويا في مدرسة مار أنطونيوس البادواني الإكليريكية في كرمسده، التي أعطت منذ تأسيسها ولغاية اليوم عددا كبيرا من كهنة الأبرشية وغيرها من الأبرشيات في لبنان والبلدان المجاورة ومن مختلف الكنائس الكاثوليكية. وكنت المرافق والمساعد لخادم رعية أيطو الخوري عزت الطحش، والمعاون كشماس في رعية مار يوحنا المعمدان في الحارة الجديدة مجدليا، مع نائبنا الأسقفي الخاص الخوري يوحنا مارون حنا، وكنت قد تربيت منذ طفولتك في رعية نشيطة على يد خادمها الأمين إبن عائلتك الخوري قيصر إسحق”.
أضاف: “الصفات الثلاث الأساسية للكهنوت المسيحي فهي: أنه كهنوت نبوي أو تعليمي وكهنوت ملكي أو قيادي وكهنوت تقديسي، وأنت ستدعى بموجب كهنوتك للقيام بها. فعليك أن تكون أولا نبيا أي معلما. والنبي ليس ذلك الذي يتكلم بالغيبيات والمستقبليات بل هو الناطق الرسمي بإسم الله، الذي يضع كلامه على لسانه، كما قال لإرميا عندما إختاره: إنك لكل ما أرسلك له تذهب، وكل ما آمرك به تقول، لا تخف من وجوههم فأنا معك لأنقذك. إني أقيمك اليوم على الأمم وعلى الممالك، لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض وتبني وتغرس(إرميا1/7-10).
مهمتك الأولى إذن هي التعليم، بعد أن تساهم في محاربة ونقض التعاليم الخاطئة كي توصل إلى الشعب كلمة الحياة، خاصة في ظروف كالتي يعيشها مجتمعنا البشري اليوم والذي هو شبيه بذلك الذي وصفه بولس الرسول في رسالته الثانية إلى تلميذه تيموتاوس حين قال: أعلن كلام الله وألح عليه بوقته وبغير وقته، وبخ وأنذر وعظ بصبر جميل ورغبة في التعليم الصحيح، إذ أن الكثيرين صاروا يتخذون طائفة من المعلمين وفق شهواتهم لما فيهم من حكة في آذانهم، فيصمون مسامعهم عن الحق ليقبلوا إلى الخرافات. أما أنت فكن حذرا في كل أمر وأصبر على المحنة وإعمل عمل المبشر، وقم بخدمتك أحسن قيام(2تيمو4/2-5). وأنك تحاول أن تعيش هذه الروحانية، من خلال إهتمامك بالتعليم المسيحي منذ سنوات طويلة في مدرسة القديس أنطونيوس البادواني في كرمسده التابعة للأبرشية.
عليك أن تكون قائدا لشعب الله، قائدا على مثال المسيح أي راعيا تقود القطيع إلى المرعى الخصيب. ونحن نعرف أن المسيح أعطى للقيادة معنى آخر مختلفا عن المعنى الذي يعطيه العالم عادة. ولذلك قال في الإنجيل حسب يوحنا إنه الراعي الصالح الذي يعرف خرافه وخرافه تعرفه. وهو يبذل نفسه في سبيل الخراف، والخراف إلى صوته تصغي، وهو يدعو خرافه كل واحد منها بإسمه ويخرجها (يو10)”.
وتابع: “أولى ميزات الكاهن، وبصورة خاصة ذلك الذي يدعى لخدمة الرعية هي أن يعرف أبناء رعيته فيزورهم ويطلع على أحوالهم ويرشدهم ويساعدهم كي يسيروا سيرة لآئقة بهويتهم كأعضاء في جسد المسيح، فيتقيدوا بتعاليم الكنيسة وإرشاداتها.
وأخيرا، وهذا هو الأهم فإن الكاهن هو رجل القداسة والصلاة أي رجل العلاقة الدائمة مع الرب. فالكهنوت ليس وظيفة إدارية، مع أن لهذه الوظيفة أهمية كبرى، إنما بدون الصلاة لا يستطيع أن يعمل شيئا. تذكر ما قاله المسيح للرسل عندما لم يستطيعوا أن يشفوا أحد المرضى فسألوه لماذا؟ فقال: هذا النوع من الشياطين لا يطرد إلا بالصوم والصلاة. وإن عالمنا المعاصر الذي أصبح بإمكانه القيام بأعمال باهرة، نظرا لتقدمه في العلم والثقافة والأبحاث والدراسات يمر بأزمة خطيرة على صعيد القيم والأخلاق وهذا ما يؤدي إلى تفتته وإنهياره، لذلك فهو بأمس الحاجة للعودة إلى الله، وإلى الصلاة والقداسة، لأن القديسين وحدهم، المتكلين على الله، هم القادرون للعمل على عودته إلى أصالته وعلى بنيانه من جديد”.
وختم قائلا له: “إنني اليوم سعيد بأن أرقيك إلى درجة الكهنوت، ومعك أرفع الصلاة إلى الرب كي يبارك عملك الكهنوتي. وأتقدم، بإسمي وبإسم إخوتك الكهنة في الأبرشية وبإسم جميع المؤمنين المشاركين في هذا الإحتفال، منك ومن أهلك وأبناء رعيتك كفرحاتا، التي أعطت وما زالت تعطي للكنيسة كهنة وخداما للرب، بأصدق التهاني والتمنيات، مرددا قول الكتاب المقدس قائلا: “أقسم الرب ولن يندم، أنك كاهن إلى الأبد”. آمين”.
بعد القداس تقبل الكاهن الجديد تهاني الحضور وأقيم حفل كوكتيل في المناسبة.
وطنية