دشن رئيس اساقفة ابرشية طرابلس المارونية المطران جورج بو جوده، كابيلا على اسم القديسة ريتا، في بلدة عربة قزحيا في قضاء زغرتا، وذلك خلال قداس احتفالي ترأسه المطران بو جوده بمشاركة المطران يوسف بشاره، ومعاونة خادم الرعية الخوري مارون بشارة، والخوري انطون بو نعمة، ولفيف من الرهبان والراهبات.
حضر القداس رئيس بلدية عربة قزحيا بدوي منصور، رجل الاعمال باخوس انطون الذي بنى الكابيلا من ماله الخاص، الى فاعليات عسكرية وحشد من ابناء البلدة والبلدات المجاورة.
بعد تلاوة الانجيل المقدس القى المطران بو جوده عظة قال فيها: “يسرني أولا أن أشترك مع صاحب السيادة المطران يوسف بشارة إبن هذه الرعية المباركة ومطران أبرشيتي الأصلية طوال أكثر من عشرين سنة وقد جعل منها أبرشية مثالية في تنظيمها ونفح الروح المسيحية الحقة في أبنائها. كما يطيب لي أن أوجه كلمة شكر وتقدير لانطون وعائلته الذين أرادوا من خلال بناء هذه الكابيلا تكريم القديسة ريتا، وتمجيدا لله، معبرين بذلك عن إيمانهم العميق وإلتزامهم تعليم الكنيسة، محاولين الإقتداء بفضائلها هي التي تعتبرها الكنيسة قدوة لجميع المؤمنين ومثالا في حياة الإيمان والإلتزام بتعاليم الكنيسة وشفيعة لكل الذين يواجهون الصعاب في حياتهم إلى درجة أنهاأصبحت تلقب بشفيعة الأمور المستحيلة، وأصبح لها هذا التكريم المميز في كل أنحاء العالم”.
واضاف متوجها الى انطون قائلا: “يروي الكتاب المقدس في سفر صموئيل الثاني أنّ الملك داود بعد أن سكن في قصره وأراحه الله من جميع أعدائه قال لناتان النبي: أنظر، أنا مقيم في بيت من أرز وتابوت العهد مقيم في خيمة. فأراد أن يبني هيكلا للرب، لكن الرب قال لناتان: إذهب وقل لعبدي داود: أنت تبني لي بيتا لسكناي؟ لا بل أنا الرب أخبرك أني سأقيم لك بيتا، أي ذرية، معلنا بذلك أنه سيعطيه عائلة كبيرة ويجعل منه عائلة يخرج منها مخلص إسرائيل، المسيح يسوع. إن ما نتمناه ونرجوه لك، أيها السيد باخوس، الذي لم تقبل أن تسكن في قصر جميل إلا وتبني معه بيتا للرب لعبادته وتكريم إحدى قديساته الكبيرات القديسة ريتا دي كاشيا. فالذي نطلبه لك من الرب هو أن يبارك عائلتك ويجعل منها عائلة مقدسة يعيش جميع أفرادها حياة الإيمان والإلتزام المسيحي، منتصرين عل كل ما يعترضهم من صعوبات ومشاكل في حياتهم، مستشفعين في سبيل ذلك القديسة ريتا التي عانت الكثير من الصعوبات والآلام الجسدية والإجتماعية لكنها إنتصرت عليها بفضل إيمانها العميق بالرب”.
واردف: “إن من يطالع حياة القديسة ريتا ويرى ما حل بها من مصائب وما عانته من عذاب وألم، إن على الصعيد الجسدي أو على الصعيد العائلي والإجتماعي، لا يمكنه إلا أن يقارن بينها وبين شخص آخر من العهد القديم هو أيوب البار الذي عانى الكثير من الآلام والعذابات في حياته ولكنه حافظ على إيمانه بالله ولم يقبل بأي شكل من الأشكال أن يكفر به وينكره بالرغم مما قاله له أصدقاؤه وزوجته، بل كان يكرر دائما ويقول: الرب أعطى والرب أخذ فليكن إسم الرب مباركا، إننا نقبل الخير من الرب، فلماذا لا نقبل منه كذلك العذاب والألم والشر. كما أنه لا يمكننا اليوم أن نحتفل بعيد القديسة ريتا وتدشين هذه الكابيلا على إسمها إلا أن نقارن ما عانته من آلام وعذابات ونحن على سفح جبل في قمته دير عاشت فيه راهبة قديسة تحملت الكثير من العذابات والآلام التي إعتبرت كالنار التي تنقي التراب ليخرج منه الذهب الرنان”.
وقال بو جوده:” عانت القديسة ريتا الالآم والعذابات بأشكالها المختلفة: العذابات على الصعيد العائلي أولا، إذ أنها أرغمت على الزواج من شخص سيء الأخلاق، قاسي الطباع، كانت المشاكل خبزه اليومي فتحملت منه المعاملة السيئة بروح الإيمان والمحبة حتى توصلت بتضحياتها وصلواتها إلى إعادته إلى الطريق الصحيح لكنه قتل نتيجة لكل ما قام به سابقا من مشاكل مع أعدائه. كما أنها، خوفا من أن ينتقم أبناؤها لوالدهم، كانوا يصممون ويخططون لذلك فضلت أن تراهم موتى جسديا من أن تراهم مستسلمين للخطيئة والشر. وعانت كثيرا كذلك من الآلام الجسدية، بعد أن توسلت بحرارة إلى المعلم الإلهي لكي يشركها في أوجاعه، فإذا بشوكة من إكليل المصلوب تنغرس عميقا في جبينها وتذيقها الألم الشديد فيتحول جرحها إلى قائح نتن يرغمها، بسبب الرائحة الكريهة المنبعثة منه، على الإنزواء في غرفة بعيدة عن غرف سائر الراهبات، تأتيها راهبة بالقوت الضروري. وقد تحملت آثار هذا الجرح الشديد الألم مدة خمسة عشرة سنة، فقاست كل ذلك بصبر كبير وشكر للرب الذي أهلها لأن تشاركه في آلامه الفدائية”.
واردف: “إن الصفة التي أعطيت للقديسة ريتا بأنها شفيعة الأمور المستحيلة لا يأتيها من قدرتها الشخصية بل يستمد بعده ومعناه الحقيقي من كون ريتا قد آمنت بمن هو وحده الذي يستحق هذا اللقب، وهو السيد المسيح والرب الإله الذي قال على لسان الملاك جبرائيل للعذراء مريم عندما بشرها بأنها ستكون أما للمخلص: بأن كل شيء مستطاع عند الله، وليس عنده أمر مستحيل. وهذا ما ميز إيمان ريتا التي وضعت كل ثقتها بالرب فأصبح الرب يجترح المعجزات والعجائب بواسطتها، كما يحصل كذلك مع جميع القديسين الذين يجعلون من حياتهم حياة إصغاء دائم لكلام الرب وعملا بمقتضاه، كما هو الحال عندنا مع القديس شربل والقديسة رفقا وغيرهما من القديسين”.
وختم بو جوده: “إننا اليوم، ونحن نكرس هذه الكابيلا على إسم القديسة ريتا بمناسبة عيدها، نطلب من الرب أن يعطينا بشفاعتها نعمه وبركاته على صعيد حياتنا الشخصية كما على صعيد حياتنا العائلية وعلى صعيد حياتنا الوطنية. فكلنا نعاني مرات كثيرة من الصعوبات والمشاكل والأمراض الجسدية والمعنوية، والكثيرون منا يعانون من المشاكل العائلية والخلافات التي تصل بالبعض منهم إلى آفة الطلاق وتفتيت العائلات تاركة الأولاد تائهين، ضائعين لا مرجع لهم ولا مساعد. وبلادنا تعاني منذ سنوات طويلة من الحروب والثورات والخلافات التي أودت بحياة مئات الألوف، وما زالت تستعر هنا في لبنان سياسيا وأمنيا، وفي مختلف بلدان الشرق الأوسط، حيث يتعرض المسيحيون للإضطهاد والقتل والتهجير، وإلى تهديم أماكن عبادتهم وتدنيس مقدساتهم، فأصبح الكثيرون منا يعتبرون أنه أصبح من المستحيل أن تعود البلاد إلى ما كانت عليه قبل الحرب، كما أن الكثيرين أصبحوا يغادرون هذه البلدان ويهجرونها دون أمل في العودة، مفرغين هذه المنطقة من العالم التي هي مهد للمسيحيين، من سكانها المسيحيين الأصيلين والأصليين. وقد أصبحنا بحاجة إلى قديسين وقديسات شفعاء لنا لمعالجة هذه الأمور المستحيلة في نظر الكثيرين ولكنها غير مستحيلة في نظر الله. فلنرفع أنظارنا وقلوبنا وعقولنا نحوه اليوم مع القديسة ريتا، طالبين شفاعتها من أجل معالجة كل ما نصادفه ونعيشه في حياتنا من صعوبات واثقين بأنه ليس عند الرب أمر عسير”.
وطنية