حلت مشكلة استعادة اراضي تلة الوروار، لكن ذلك لا يعني ان مشكلة السيطرة على اراضي المسيحيين، سواء بالمال أو بوضع اليد بصورة غير قانونية قد حلت. فالمواجهة مستمرة في كل انحاء الجمهورية اللبنانية ذلك ان المساعي للسيطرة على المزيد من الاراضي لم تنته بعد، بل يبدو ان ثمة اصرارا لدى البعض على تجاوز كل الاعراف والمواثيق، والتصرف بمنطق احادي والغائي لا يستقيم معه القانون ولا ارادة العيش المشترك المعلنة.
اشاعت استعادة تلة الوروار جواً من الثقة بإمكان التصدي لآفة بيع الاراضي، وخصوصاً ان هذه العملية لم تأت من لا شيء، بل هي نتيجة جهد متواصل وانتشار قلق ظاهر لدى قسم كبير من الفاعليات المسيحية على ملف الاراضي، سواء على الجغرافيا او على الديموغرافيا، وتالياً على الوجود. وأثمر هذا التحرك استعادة اراض شاسعة في مناطق اخرى حساسة جداً كان يمكن ان تشكل بؤرة للتوتر لو تم التغاضي عنها او تجاوزها، وآخرها كانت قطعة ارض قصارجيان في عين الرمانة والتي تبلغ مساحتها 13 الف متر مربع استعادت البلدية منها بقرار استملاك 11 الف متر، فيما بقي 2000 متر مربع امتلكها احد المصارف اللبنانية. وكان يفترض ان يضم مشروع قصارجيان في ما لو لم تعمد البلدية الى استملاكه، نحو 400 شقة سكنية كانت كفيلة بتغيير الوجه الديموغرافي لمنطقة عين الرمانة – الشياح. ولكن يبدو ان بين القوى السياسية الفاعلة من يدرك خطورة هذا الفرز الديموغرافي واثاره البعيدة المدى على الوجه الاجتماعي المسيحي لمنطقة الشياح – عين الرمانة. وفي خطط البلدية لأراضي قصارجيان بناء مواقف للسيارات لسكان المناطق السكنية المحيطة، على ان تقوم فوق المواقف كنيسة وحدائق يخصص قسم منها للمسنين من ابناء المنطقة، الى ملاعب رياضية للاولاد والشباب. والاهم في الامر ان بلدية الشياح – عين الرمانة نجحت في شراء الاراضي من خلال “فلس الارملة”، او جمع المبلغ الذي تم شراء الارض بواسطته على مدى السنين الماضية، اعتباراً من عام 2005 تاريخ بيع الاراضي، وذلك ادراكاً من البلدية لخطورة خسارة هذا العقار الضخم في وسط المنطقة. نموذج تلة الوروار في الحدت وقصارجيان في الشياح يصلح ان يعمم على سائر الانحاء. فالمعلومات المتوافرة تشير الى ارتفاع منسوب التصدي للسماسرة اولاً ولباعة الاراضي ثانياً، والعمل على ردع الشارين ثانياً، اياً يكن شأنهم، بعدما بلغت الامور مستوى غير مقبول من التهديد للوجود المسيحي. وما جرى في بلدتي كرم المهر وعلما قرب زغرتا اضافة الى حراك القبيات الشعبي ضد باعة الاراضي، واستعادة عشرات الآلاف من الامتار المربعة المبيعة في مزيارة، وحركة لجان مواجهة بيع الاراضي في جزين ومنطقتها، كلها تزرع الأمل بأن “النخوة لا تزال بخير في بلادنا”. علما ان ثمة اراضي لا بد من استعادتها حفظاً للتوازن والعيش المشترك، بدءاً من تلال الدبية – الدلهمية بملايينها الاربعة والتي ستقلب موازين الديموغرافيا في الشوف بشكل سافر، وصولاً الى معالجة ما يجري في القاع واراضيها والتي تحولت الى ساحة معركة متصلة بالحرب الاهلية السورية، وخصوصا في منطقة مشاريع القاع الحدودية التي تم وضع اليد عليها من غير وجه حق ودون كثير احترام للقانون.
النهار