منذ اربع سنوات، كاد منزل الرئيس شهاب يتحول مطعما، لو لم تطلق “النهار” حملة صحافية من اجل المحافظة عليه وتحويله متحفا ومكتبة وطنية.. ونجحت، وتوجت الحملة بصدور مرسوم استملاكه من وزارة الثقافة، بمبلغ قيمته 3،268،200 مليارات ليرة لبنانية. لكن عدم توافر الاموال اللازمة حال دون تنفيذ الاستملاك، الى ان جاءت النجدة اليوم من الجار القريب الذي يملك حق الشفعة: المدرسة المركزية للرهبان اللبنانيين. ففي 28/11/2013 انتقلت ملكية البيت العائلي للرئيس شهاب، القائم على العقار 167 – غادير في قضاء كسروان، من المالكين الجدد عادل نجم بجاني وعبود نجم بجاني وندى نقولا دندن، (الذين اشتروه من الوريثة ابنة اخيه، بديعة شكيب شهاب في 16 ايلول 2009، بمبلغ قيمته 500 الف دولار فقط)، الى الرهبنة اللبنانية المارونية – دير قلب يسوع، المعروف بالمدرسة المركزية القائمة على العقار المقابل تماما، بموجب عقد بيع، وبالثمن عينه طبقا لتخمين “لجنة استملاك جبل لبنان الشمالي الابتدائية”، الذي سبق ان صدربناء على المرسوم الرقم 3888 تاريخ 29/4/2010 والذي حدد قيمة التعويض الناتج من استملاك ارض هذا العقار والانشاءات القائمة عليه والمغروسات، بمبلغ 3،268،200 مليارات ليرة لبنانية.
مفاوضات وتعهدات سبقت عملية الشراء سلسلة لقاءات بين وزير الثقافة السابق غابي ليون ورئيس المدرسة المركزية الاب وديع سقيم، الذي ابدى رغبة الرهبنة باستملاك البيت المهمل وتأهيله، وأعلن بموجب كتاب رفعه الى ليون في 19/11/2013 “موافقة الرهبنة المسبقة على ادراجه في لائحة الجرد للابنية التاريخية، والمحافظة على رمزيته، وترميمه باشراف المديرية العامة للآثار. وتعهدت ان يكون المنزل مفتوحا امام عموم الناس، بعد تحويله مكتبة ومتحفاً يحمل اسمه، واكدت انها ستحافظ على هيبة ومكانة باني الدولة والمؤسسات، وستضع ارشيفه ومخطوطاته وذكرياته بتصرف عموم الناس وأهل الفكر، ليكون نموذجاً صالحاً في الاداء لدى الاجيال الطالعة”. واعلنت استعدادها لتوقيع بروتوكول مع الوزارة وبلدية جونية ومؤسسة فؤاد شهاب يضمن الغاية المنشودة. وفي المقابل اعلنت وزارة الثقافة ” تعهدها التراجع عن مرسوم الاستملاك كونه لم ينفذ، وادراج بيت الرئيس شهاب في لائحة الجرد العام للابنية التراثية”. وهذا ما حصل فعلا، بموجب القرار 178 تاريخ 21/11/2013، وهذا يعني انه لا يمكن اجراء اي تعديل او تحوير في المكان قبل الحصول على موافقة مديرية الاثار. كذلك قدمت الرهبنة الى الوزارة كتابين مسجلين لدى كاتب العدل، يتضمنان ” تعهدا بتنفيذ توصيات مديرية الاثار، لتحويل هذا المكان متحفاً ومركزاً عاماً، والتزامها استعمال العقار للغاية عينها التي جرى من اجلها الاستملاك، وهي تحويل البيت متحفاً ومكتبة عامة”. وعلى هذا الاساس، واضافة الى الوفر المترتب لصالح خزينة الدولة جراء تنفيذ المشروع، رفع ليون الى مجلس الوزراء مشروعا للرجوع عن مرسوم الاستملاك الرقم 3888 تاريخ 29/4/2010 المعدل بالمرسوم 7984 تاريخ 14/4/2012. لكن حتى الان لم يصدرهذا المرسوم عن مجلس الوزراء.
حلم يتحقق لماذا اشترت الرهبنة المارونية منزل فؤاد شهاب؟ وماذا تفيد من هذه العملية؟ يوضح الأب سقيم ان “لفؤاد شهاب فضلاً كبيراً على مدرستنا، فهو من دفع رهبنتنا الى شرائها العام 1966 من الاخوة المريميين. ووفاء له اردنا شراء بيته لترميمه ليصبح بحلة تليق بانسان كبيرورئيس عظيم من لبنان ، ولاقامة متحف لتكريمه وحفظ تراثه وعرضه امام تلامذة المدارس، وتكون فرصة لهم ليتعرفوا الى الرجال الكبار الذين يصنعون المؤسسات التي تبني الدولة ويفيد منها المواطنون، ولا تكون وليدة الساعة. ولنقول لهم إنه بالقرب منا كان يسكن رجل كبير، في بيت متواضع، وليس في قصر. وهذه اهم ثقافة للتلميذ تبقى في ذاكرته اكثر من الدرس”. منذ زمن يحلم الاب سقيم، الذي اقام سنوات عدة في فرنسا وتعلم فيها، ان يكرم كبيرا في بلاده، على غرار ما تفعله البلدان المتحضرة، بالمحافظة على ارثه الفكري والمؤسساتي، ورأى ان هذا الحلم يمكن ان يتحقق من خلال تكريم الرئيس شهاب في المحافظة على البيت الذي سكنه منذ توليه مهمات رئاسة الجمهورية وحتى وفاته وزوجته، ولم يغادراه يوما. ولهذه الغاية يزور الاب سقيم منذ اشهر عددا من بيوت الكبار في اوروبا، مثل الرئيسين شارل ديغول وجورج بومبيدو، ويتوجه هذا الاسبوع الى المانيا، للاطلاع على تفاصيل انشاء هذه المتاحف من مختلف النواحي الانشائية والهندسية والتقنية والفنية، ويعمل بالتعاون مع وزارة الثقافة وبلدية جونية و”مؤسسة فؤاد شهاب” على جمع مقتنيات الرئيس شهاب الفكرية والمادية لعرضها في المتحف.
ليون وخط الدفاع يفخر الوزير ليون بـ”الانجاز” الذي حققه من خلال هذا المشروع، واصاب من خلاله عصافير عدة بحجر واحد : 1 – تفادي خسارة الاستملاك. 2 – شراء البيت من الرهبانية المارونية هو ضمانة في ذاته لبقائه والمحافظة عليه. 3 – ادراجه في لائحة الجرد العام للابنية التاريخية 4 – توفير 3،5 مليارات ليرة لبنانية على خزينة الدولة”. من ناحيته اوضح رئيس بلدية جونية انطوان افرام ان البلدية “لا تستطيع تحمل اعباء استملاك المنزل وترميمه ومشروع اقامة متحف فيه التي تبلغ نحو 6 ملايين دولار. وبحثنا الامر مع وزارة الثقافة التي قررت استملاكه وترميمه، فتحول مرسوم الاستملاك اليها لترممه بالتعاون مع “مؤسسة فؤاد شهاب”. وهنا انتهى دورنا. ثم اتت الرهبانية المارونية، واتفقت مع وزارة الثقافة لشراء البيت، وتعهدت ترميمه وتحويله متحفاً لتحافظ على ارث فؤاد شهاب. واجتمعت مع الاب سقيم، وابديت ترحيب البلدية بهذا المشروع، وكتبوا تعهدا خطيا بالمحافظة عليه. ونعمل الان على وضع آلية لانشاء مجلس امناء يضم الرهبنة وبلدية جونية و”مؤسسة فؤاد شهاب” ووزارة الثقافة، يتولى ادارته مستقبلا وتأمين الموارد له”. وتعهد ادراجه في لائحة الابنية التراثية في بلدية جونية “كخط دفاع ثان”، لافتا الى قرار المجلس البلدي بالمحافظة عليه مع عدد آخر من البيوت التراثية في جونية التي وضعت عليهم اشارة للمحافظة عليها وحمايتها.
مي عبود ابي عقل / النهار